بقي قرار لبنان الرسمي تعيين السفير سيمون كرم على رأس لجنة الميكانيزم ومشاركته في اجتماعها للمرة الأولى الأربعاء، يتفاعل إيجاباً، غير أن الخطوة لا يبدو أنها كانت كافية وحدها للجم التصعيد الإسرائيلي، فقد جددت تل أبيب بعد الظهر إنذاراتها العاجلة إلى اللبنانيين بإخلاء مبانٍ سيقصفها الجيش الإسرائيلي "للتعامل مع المحاولات المحظورة التي يقوم بها حزب الله لإعادة إعمار أنشطته في المنطقة".
وكتبت" النهار": بين الترددات التي غلبت عليها الإيجابيات لقرار لبنان تعيين السفير السابق سيمون كرم على رأس الوفد اللبناني المفاوض في لجنة الميكانيزم وعودة اسرائيل إلى الغارات المبرمجة بإنذارات مسبقة على غرار ما فعلت أمس في الجنوب، لم تتبدل صورة التقديرات حيال الاحتمال الأكبر في أن يكون تطوير المستوى التفاوضي داخل الميكانيزم قد احتوى المخاوف الكبرى من عملية إسرائيلية واسعة. هذه الانطباعات تعزّزت بما أدلى به مسؤولون أميركيون من تقديرات مماثلة لمواقع أميركية على أساس أن "جهداً مشتركا" جرى العمل عليه بدأب بعيداً من الأضواء بين واشنطن وبيروت أفضى إلى تطور لم تتمكن
إسرائيل من تجاهله عبر تعيين ممثلين مدنيين لكل من لبنان وإسرائيل في اللجنة، بما يفتح ثغرة اختراق في جدار العدّ العكسي لانفجار حربي كانت إسرائيل تتجه إليه بقوة. ومع أن تعمّد إسرائيل العودة إلى أسلوب الإغارات والإنذارات المسبقة أمس بدا بمثابة رسالة واضحة إلى لبنان لعدم الاستكانة إلى التطور الديبلوماسي الذي حصل وإبقاء ملف نزع سلاح "حزب الله" في واجهة الاولويات، فإن الأنظار اتجهت إلى معرفة مضمون التقرير الثالث الذي قدمه قائد الجيش العماد رودولف هيكل إلى
مجلس الوزراء حول النتائج والحصيلة الإجمالية التي حققها الجيش في تنفيذ المرحلة الاولى من حصر السلاح في منطقة جنوب الليطاني. وقد اتخذ هذا التقرير أهمية مضاعفة في ظل معطيات وزارية سبقت جلسة مجلس الوزراء وتحدثت عن ترجيح إنتهاء الجيش من هذه المرحلة قبل نهاية السنة، بما يوجب الانتقال تالياً إلى المرحلة التالية في شمال الليطاني. وهو الأمر الذي يشكل دفعاً إضافياً للتطور الذي سجل على مستوى الميكانيزم بما يعزز التنسيق المتجدد بين لبنان والإدارة الأميركية، أقله كما يتطلع إليه الحكم اللبناني.
وجاء في" الاخبار": مرّة جديدة، تعيد إسرائيل تذكير الجميع بحقيقة موقفها من كل الحوارات السياسية. فبعدما أقدمت السلطة في لبنان على تنازل كبير، من خلال الدخول في مفاوضات مباشرة ذات طابع سياسي، جاء الرّد الإسرائيلي على شكل تصعيد عسكري، تجاوز نشر المُسيّرات فوق مناطق كثيرة من البقاع والجنوب وبيروت، إلى إرسال إنذارات إلى سكان قرى محرونة وجباع وبرعشيت والمجادل الجنوبية، قبل أن تقوم الطائرات بالإغارة على منازل مدنية فيها. في هذا الوقت، واصلت قواته المنتشرة على الحدود قصفها المدفعي لمناطق حدودية، وإعاقة عمل موظفين من «مؤسسة كهرباء لبنان» في الجنوب.
وتواصل الاهتمام أمس بقرار لبنان تكليف السفير السابق سيمون كرم بترؤّس وفد لبنان إلى المفاوضات القائمة مع إسرائيل عبر لجنة الـ«ميكانيزم».
وفيما أصرّت المصادر القريبة من الرئيس
نبيه بري على نفي معرفته بقرار تسمية كرم، وأنه كان فقط في أجواء قرار إضافة موظف مدني له دور تقني إلى اللجنة، تعمّد الرئيس جوزيف عون في جلسة الحكومة أمس، القول إن قرار تسمية كرم كان بالتنسيق مع بري وسلام. وأشار عون أمام الوزراء إلى أن التشاور لم يقتصر على فكرة إضافة المندوب المدني، بل على اختيار السفير كرم نفسه. وبرّر عون الخطوة بأن لكرم تجربته في المفاوضات مع إسرائيل، على إثْر مؤتمر مدريد، في مطلع تسعينيات القرن الماضي.
عون الذي أبلغ أحد زواره، أمس، أنه لم يتشاور مع حزب الله في القرار، قال أمام الحكومة، إنه «لن تكون هناك أي تنازلات عن سيادة لبنان في أي اتفاق مع إسرائيل».
ورأى عون أنه «ليس هناك من خيار آخر سوى التفاوض». وكان لافتاً أن عون تحدّث عن سلام، حينما قال إن رئيس الحكومة «أعطى توجيهات إلى السفير كرم بأنه مُكلّف بالتفاوض الأمني فقط، أي العمل على وقف الاعتداءات
الإسرائيلية والانسحاب من النقاط المحتلة وترسيم الحدود وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين فقط، دون أي مهمة أخرى».
أمّا سلام، فعبّر أمام زواره عن استغرابه من محاولة بري التنصّل من مشاركته في تسمية كرم. وقال إن الأمر لا يتم بصورة سرية، ورئيس الجمهورية يتولّى التنسيق مع رئيس مجلس النواب ومع الجميع، مضيفاً أن رفضه عقد اجتماع رئاسي ثلاثي حول الأمر يتعلق بموقفه المبدئي الرافض لإقرار أي إطار يتجاوز اتفاق الطائف.
لكن ذلك لا يعني أن التشاور يجب أن لا يحصل. ونقل زوار سلام عنه أن بري شارك في القرار ليس بصفته رئيساً لمجلس النواب، بل بما يمثّله سياسياً، معتبراً أنه ليس هناك من حاجة إلى التشاور مع الأحزاب الأخرى في الأمر، قاصداً حزب الله، لأن لديه من يمثّله في الحكومة. وكرّر سلام أن لبنان «لا يريد مفاوضات تستهدف التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل، بل اعتماد الآليات التي تسحب من إسرائيل الذرائع لتجنيب لبنان حرباً جديدة».
وبحسب زوار سلام، قال رئيس الحكومة إنه اطّلع شخصياً على الجهود الكبيرة التي يقوم بها الجيش في منطقة جنوب الليطاني، ولكن في حال لم تبادر إسرائيل إلى الانسحاب ووقف الاعتداءات وإطلاق الأسرى، فإن الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة حصر السلاح قد يصبح صعباً.
وكتبت" نداء الوطن": انطلاقًا من أن المسار التفاوضي بات ضرورة وطنية ملحة، يكتسب تكليف السفير السابق سيمون كرم ترؤس الوفد اللبناني في اجتماعات لجنة "الميكانيزم" في هذا التوقيت الدقيق، أهمية استثنائية لا بل نقطة تحول كبرى، تنقل الملفات العالقة بين لبنان وإسرائيل إلى منصة تفاوض سياسي برعاية أميركية.
لقد أضفى تكليف كرم جدّية على مسار معالجة النقاط الخلافية العالقة، فالمرحلة المقبلة لم تعد مرحلة إجراءات عسكرية تقنية فقط، بل مرحلة تفاوض سياسي مفتوح على احتمالات جديدة، خصوصًا أن كرم يمتلك خبرة دبلوماسية دقيقة تسمح بنقل النقاش إلى مستويات أكثر عمقًا وفعالية.
فالجلسة الأولى لـ "الميكانيزم" بحضور كرم والتي وضع الرئيس نواف سلام، في أجوائها، من البديهي ألّا تكون كثيرة الإنتاج، ولكنها مهدت الطريق لجلسات مقبلة ستبدأ في 19 من الجاري بحسب ما أعلن رئيس الجمهورية جوزاف عون خلال جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في قصر بعبدا.
وعليه، الخيار الوحيد المتاح للدولة
اللبنانية سلوك مسار المفاوضات للخروح من النفق المظلم الذي دخله لبنان وهو ما أكده الرئيس عون بالقول "نشدد على وجوب أن تسود لغة التفاوض بدل لغة الحرب، ولا تنازل عن سيادة لبنان، وعندما نصل إلى اتفاق سيظهر ما إذا كان هناك من تنازل، وعندها سنتحمل المسؤولية". وأوضح الرئيس عون أن التوجيهات التي أعطاها والرئيس نواف سلام إلى السفير كرم، عنوانها العريض هو التفاوض الأمني.
كشف مصدر سياسي رفيع أن مهام الوفد اللبناني في اللجنة التقنية العسكرية للبنان "الميكانيزم" تنحصر في بحث الترتيبات الأمنية، بما يشمل: وقف الأعمال العدائية، إعادة الأسرى، الانسحاب الإسرائيلي، تصحيح النقاط المتنازع بشأنها على طول الخط الأزرق.
ونفى المصدر وجود أي نية للبحث في ملفات التعاون الاقتصادي مع إسرائيل. وإذ أكد المصدر تكثيف اجتماعات اللجنة خلال الفترة المقبلة، رجح أن تسمي فرنسا شخصية دبلوماسية إلى اجتماعات "الميكانيزم" في المرحلة المقبلة. وردًا على سؤال عما إذا كان اسم الشخصية الفرنسية السفير الأسبق برنار إيميه، اكتفى المصدر بالقول "كل شيء وارد".
وتشير المعلومات إلى أن الاجتماع التالي "للميكانيزم" سيكون مغايرًا للأول: جدول أعمال واضح تماشيًا مع خطوة التفاوض غير المباشر، انتقال إلى التفاصيل وتركيز على الوضع الأمني. وسيطرح لبنان مسألة وقف الغارات لاستكمال العمل جنوبًا على انتشار الجيش.