Advertisement

لبنان

جنوبٌ مفخّخ بعد الحرب.. قنابل صامتة تؤجّل السلام

جاد حكيم - Jad Hakim

|
Lebanon 24
05-12-2025 | 04:00
A-
A+
Doc-P-1451076-639005247415567121.png
Doc-P-1451076-639005247415567121.png photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
لم تنتهِ الحرب في الجنوب مع صمت المدافع وتراجع الطائرات عن السماء. ما تركته خلفها لا يُرى بالعين المجرّدة دائماً، إذ تنتشر قنابل غير منفجِرة مدفونة في الحقول وبين الركام، تنتظر لمسة فلاح، أو جَرف جرّافة، أو خطوة طفل، لتكمّل ما بدأته الغارات من موت ودمار.
Advertisement

على امتداد الاشهر الماضية من العمليات العسكرية الأخيرة، تحوّل الجنوب إلى مسرح لضربات جوية كثيفة وقصف مدفعي متقطّع لكنه مستمر، استهدف المنازل والطرقات والبنى التحتية والمرافق الحيوية، وتمدّد أحياناً إلى البقاع ومناطق أخرى بعيدة عن خط التماس التقليدي. لكن الوجه الأكثر خطورة لهذه الجولة ليس الدمار الظاهر، بل "التلوّث الخفي" بالذخائر غير المنفجرة، الذي بدأ يأخذ شكل أزمة قائمة بذاتها، تعرقل العودة، وتعطّل إعادة الإعمار، وتضع خطاً أحمر تحت كل خطوة في القرى والحقول.

قنابل الحرب الطويلة: ما لم ينفجر بعد
في قلب المشهد، تبرز القنابل والصواريخ والقذائف التي لم تنفجر عند ارتطامها بالأرض. هذه الذخائر تتحوّل عملياً إلى ألغام عشوائية.. لا خريطة لها، ولا أسلاك ظاهرة، ولا شريطاً أحمر يحيط بها. المعنيون بإدارة المخاطر في الجنوب يتحدّثون اليوم عن مئات الحوادث القتالية خلال الأشهر الماضية، نسبة كبيرة منها غارات جوية، والبقية قصف مدفعي وضربات متنوّعة، في نمط قتال يخلّف عادة معدّلات مرتفعة من الذخائر غير المنفجرة.

الأخطر أن جزءاً من هذه الهجمات جرى بقنابل عنقودية في الوديان والأحراج المحيطة بعدد من القرى الحدودية. هذه الذخائر الصغيرة التي تتناثر على مساحات واسعة، يفشل عدد كبير منها في الانفجار فوراً، فتختلط بالعشب والحجارة والركام. تجربة ما بعد "حرب تموز 2006" لا تزال حاضرة، سنوات من عمل فرق نزع الألغام، ودماء مزارعين وأطفال وعمال، فقط لأنهم اقتربوا من جسم معدني غريب في أرضٍ افترضوا أنها عادت آمنة. اليوم، يبدو أن الجنوب يدخل حلقة مشابهة، إن لم تكن أشد تعقيداً.

فلاحون يخافون الأرض، ونازحون يخشون طريق العودة

الحقول التي كانت تُزرع تبغاً وزيتوناً وقمحاً تحوّلت اليوم إلى مساحات مشكوك فيها. الفلاح الذي كان يدخل أرضه مع أول خيط ضوء، بات ينتظر من يخبره إن كانت "آمنة". الرعاة الذين اعتادوا الانحدار إلى الوديان مع مواشيهم، صاروا يحسبون ألف حساب لمسار كل خطوة.

النازحون من القرى الجنوبية يعلّقون آمالهم على العودة مع أول فرصة، لكن الطريق نفسها أصبحت جزءاً من المعركة، طرقات فرعية وجسور صغيرة استُهدفت، ومسالك ترابية كانت تُستخدم للوصول إلى البيوت والحقول، تحوّلت إلى ممرات يحتمل أن تكون ملوّثة ببقايا قذائف وصواريخ.

وإلى جانب القصف التقليدي، استُخدمت ذخائر حارقة وفوسفورية في بعض المحاور الحسّاسة، خصوصاً في محيط الأحراج والوديان وعلى ضفاف الأنهر. هذه القذائف لا تكتفي بحرق الأشجار وتدمير الغطاء النباتي، بل تترك وراءها طبقة كثيفة من الرماد والركام تغطي الأرض وتخفي تحتها ما تبقّى من ذخائر غير منفجرة. وفي مثل هذه الظروف، تصبح مهمة فرق نزع الألغام أكثر تعقيداً، حيث أن أجهزة الكشف تواجه تشويشاً من كثافة المعادن والركام، والرؤية المباشرة للعناصر الميدانيين تنخفض بسبب تراكم الحطام والرماد. عملياً، كل متر مربع يحتاج إلى وقت أطول وجهد أكبر ليُعلن آمناً.

قبل الحديث عن ترميم مدرسة أو إعادة تشغيل مستشفى أو إصلاح شبكة مياه، هناك معركة صامتة يجب أن تُحسم، حيث يجب أن تبدأ من تنظيف الأرض من القنابل الصامتة. فمن دون خرائط ميدانية دقيقة لمناطق التلوّث، ومن دون برامج توعية واسعة النطاق للسكان والعاملين في الميدان، تصبح كل ورشة إعمار مغامرة غير محسوبة.

خبراء في إدارة المخاطر يلفتون إلى ضرورة التعامل مع بعض القرى والحقول كـ"مناطق ملوّثة افتراضياً"، إلى أن تقوم فرق مختصة بمسحها وإعلانها آمنة. هذا ينطبق خصوصاً على المناطق التي شهدت قصفاً عنيفاً أو استعمالاً للقنابل العنقودية والذخائر الحارقة، وعلى السهول التي سقطت فيها صواريخ كبيرة ولم تُسجَّل انفجارات موازية لعدد الضربات.
 
المصدر: خاص لبنان24
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

جاد حكيم - Jad Hakim