في خطوة تُعزز مكانتها الثقافية والتاريخية، اختار مؤخرا وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد من أجل المتوسط بوابة الجنوب مدينة صيدا عاصمة للثقافة والحوار لعام 2027 وذلك في إطار مبادرة مشتركة بين الاتحاد ومؤسسة "آنا ليند" الأورومتوسطية للحوار بين الثقافات.
وصيدا هي إحدى أقدم المدن الساحلية في
لبنان وأكثرها رمزية، وهي مُلتقى للحضارات والتقاليد الثقافية.
وفور الإعلان عن هذا الحدث ، وجّه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون تهنئة إلى صيدا لاختيارها مع مدينة قرطبة الإسبانية من قبل الاتحاد من أجل المتوسط عاصمتَين للثقافة والحوار على شرق المتوسط وغربه للعام 2027".
ولفت عون إلى أنّ "صيدا باب الجنوب وعاصمته وصلته بكلّ لبنان، تؤكّد وتجدّد رسالتها ورسالة وطنها الدّائمة، أرض ثقافة وحوار وتنوّع وتعدّد وسلام، لضفتَي المتوسّط ولكلّ ضفاف الدنيا".
من جهتها، هنأت وزارة الثقافة المدينة على هذا الاختيار، وأشارت إلى أن "هذا التكريم الرفيع يعكس ما تتمتع به صيدا من عمق تاريخي، وحيوية ثقافية، ودور راسخ في تعزيز الحوار والتعايش عبر منطقة البحر الأبيض المتوسط".
علماً ان اختيار صيدا وقرطبة لعام 2027 هو امتداد لمسار المبادرة التي بدأت مع العاصمتين الحاليتين لعام 2025 الإسكندرية
المصرية وتيرانا الألبانية، ثم عاصمتي العام 2026 طنجة المغربية وماتيرا الإيطالية.
تضع تسمية صيدا وقرطبة في قلب الدبلوماسية الثقافية المتوسطية، حيث ستطوّر المدينتان برنامجًا مشتركًا يركّز على الحوار بين الثقافات والاستدامة وحماية التراث، إلى جانب تقديم تبادلات مؤسساتية ومشاريع فنية وتعليمية مشتركة تعزز الروابط بين المجتمعين المحليَّين تكون منصة للتواصل بين الفنانين والباحثين والطلاب.
أهمية هذا الإختيار
وعن هذا الإختيار، اعتبرت مصادر صيداوية عبر "
لبنان 24" ان "هذا القرار يسند إلى المدينة مهمة تمثيل التنوع الثقافي والحوار الحضاري في حوض البحر المتوسط، كما انه يُشكّل فرصة مهمة لصيدا من نواح متعددة".
وأشارت المصادر إلى ان "المدينة ستُصبح منصة للثقافة والإبداع حيث سيُتاح لها تنظيم معارض وحفلات موسيقية وعروض فنية وندوات حول التراث والحوار إضافة إلى نشاطات شبابية".
واعتبرت ان "هذا الإختيار بالتأكيد سيُسلط الأضواء على تاريخ صيدا العريق وتراثها باعتبارها مدينة ساحلية دافعت عن التعددية والتعايش، ما يساهم في ترميم وتعريف التراث ماديا وإعادة إحيائه."
وأملت في ان "يترافق هذا اللقب مع تدفق سياحي لبناني ودولي من المهتمين بالثقافة والحوار الأمر الذي سيُنعش الاقتصاد المحلي ويمنح المدينة فرصة لتكون جسرًا بين الشرق والغرب. "
وقالت: "صيدا ستُشارك في برامج تبادل مع مدينة قرطبة الاسبانية في هذه
الدورة وهذا الأمر يفتح أبواب تعاون ثقافي وتعليمي وتبادل أفكار وفنون مع مدن من حوض المتوسط.
وشددت على ان "هذا الاختيار يعطي صورة إيجابية عن لبنان فهو بلد حضارة وتاريخ وتنوّع وسلام، كما أنه رسالة أمل تؤكد بأن لبنان ما زال جسراً للتلاقي على الرغم من كافة الصعوبات التي مرت وتمر عليه".
وتعتبر المصادر ان "على البلدية والمؤسسات الثقافية في صيدا السعي إلى إعداد برنامج غنيّ ومتنوع يليق باللقب ويجذب المدينة نحو الأفضل".
ودعت إلى تأهيل المواقع الأثرية وإنشاء خدمات للسياح وتنظيم فعاليات متفرقة، لافتة إلى ان "التحدي هو أن لا يقتصر الاحتفال على سنة 2027 فقط بل أن تُبنى أسس دائمة لثقافة التبادل والتعليم ليبقى لقب "عاصمة المتوسط" مفيدا على المدى
الطويل".
أقدم مدينة ساحلية في لبنان
وتُعد مدينة صيدا من أقدم المدن الساحلية في لبنان، وملتقى حضارات وتقاليد وثقافات ما يجعلها نموذجًا للتعايش والتنوع في البحر المتوسط، كما تضم العديد من المواقع التاريخية مثل القلعة البحرية والقلعة البرية والأسواق القديمة.
وتُعتبر من أقدم المدن المأهولة في العالم، بتاريخ يمتد لأكثر من 6000 عام، وقد تعاقبت عليها حضارات مختلفة مثل الفينيقية والرومانية والعربية والعثمانية.
وتجمع المدينة بين التاريخ من آثارها وحصونها وبين حضور ثقافي حي يتمثل بجمعيات، ومجتمع مدني ما يعطيها القدرات المطلوبة لتكون "عاصمة ثقافة" فعالة.
وأطلقت تسميات عديدة على المدينة منها "صيدون" باللاتينية واليونانية و"صيدو" بالعبرانية والاسم مشتق من كثرة السمك في شواطئها، اذ ان اهلها الاقدمين عملوا كصيادي سمك، كما ذكر الكاتب الفرنسي جاك نانتي في كتابه "تاريخ لبنان" ان اول مدينة انشأها الفينيقيون هي صيدا حوالي سنة 2800 ق.م، وأسسها ابن كنعان البكر صيدون وسميت باسمه كما اورد الشيخ احمد عارف الزين في مؤلفه "تاريخ صيدا" ان صيدا من اقدم مدن العالم وأخذ اسمها من بكر كنعان حفيد نوح وكان ذلك سنة 2218 قبل الميلاد، كما كانت تُعرف بأم المدن الفينقية.