اكتسبت الحركة الديبلوماسية الكثيفة في
لبنان في الايام الاخيرة، دلالات بارزة صبّت كلها في إطار الدفع نحو استبعاد حرب جديدة والتحفيز على تحكيم مسار المفاوضات، علماً أن المعنيين اللبنانيين يلفتون إلى وجود ما يشبه إجماعاً دولياً على هذا النهج بما يفسر اندفاع الحكم والحكومة في ملاقاة النهج التفاوضي واستقطاب الدعم الدولي لمصلحة لبنان.
ويصل اليوم إلى
بيروت الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان لإجراء جولة محادثات جديدة مع المسؤولين اللبنانيين، وليضعهم في اقتراح تعيين سفير سابق لبلاده في بيروت، رئيساً للوفد الفرنسي في لجنة الميكانيزم على أن تقيم السفارة الفرنسية مساء غد عشاءً في قصر الصنوبر يجمع عدداً من الفاعليات السياسية.
ويزور رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون غداً وبعد غد، سلطنة عُمان بدعوة من السلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان. ويضمّ الوفد الرسمي المرافق عدداً من الوزراء. وتأتي هذه الزيارة في إطار تعزيز العلاقات الأخوية المتينة التي تجمع بين لبنان وسلطنة عُمان. وسيتم خلال هذه الزيارة «التشاور والتنسيق بين القيادتين بما يُسهم في تعزيز العمل العربي المشترك، وبحث مختلف التطوّرات على الساحتين الإقليمية والدولية».
وفيما بدأت التحضيرات لزيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى بيروت في الثامن عشر من الجاري بحسب معلومات "لبنان ٢٤" ، أكّد وزير الخارجيّة المصري بدر عبد العاطي أنّ «مصر تعمل مع جميع الأطراف اللبنانيّة والإقليميّة والدوليّة على خفض التصعيد في لبنان»، في إشارةٍ إلى محاولة القاهرة التموضع كوسيطٍ بين الضغوط الأميركيّة والغربيّة من جهة، والهواجس اللبنانيّة والإقليميّة من جهةٍ أخرى.
وكتبت" النهار":يتّجه السباق بين الجهود الديبلوماسية الهادفة إلى تثبيت مسار التفاوض بين لبنان وإسرائيل واستبعاد عملية إسرائيلية جديدة وواسعة ضد "
حزب الله" نحو مرحلة أشد وضوحاً، مع تأكد المعطيات الديبلوماسية المستقاة من كل من
الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا حيال تدخل الإدارة الأميركية لدى
إسرائيل لإفساح المجال أمام أمرين: الأول، إعطاء الإطار المحدّث لعمل لجنة الميكانيزم بعد تكليف السفير السابق سيمون كرم برئاسة الفريق اللبناني فيها وتعيين إسرائيل
أوري رازنيك ضمن فريقها، فرصة الحد الأدنى التجريبية لتطوير نتائج عمل اللجنة. والثاني، تثبيت مهلة استكمال نزع سلاح "حزب الله" من جنوب الليطاني في نهاية السنة، ولو أن العمليات والغارات
الإسرائيلية ضمن وتيرتها الجارية لن تتوقف.
وأفادت مراسلة "النهار" في باريس رندة تقي الدين أن باريس رحبت بتعيين السفير السابق سيمون كرم للتفاوض مع المسوؤل المدني
الإسرائيلي عبر آلية وقف إطلاق النار، ورأت في ذلك تطوراً مهماً غير مسبوق منذ وقت طويل. ولكن مصادر ديبلوماسية فرنسية ترى أن هذا لا يعني أن التهديد الإسرائيلي سيزول عن لبنان طالما لم يتم نزع سلاح "حزب الله". وتؤكد المصادر أن في إمكان الجيش أن يقدم على مزيد من الجهود وإظهار براهين عن قيامه بنزع سلاح الحزب في عدد من الأماكن حتى في المنازل، حيث بإمكانه أن يدخل عندما تكون لديه معلومات عن وجود سلاح فيها ويجب الكشف عما يفعله. وتكشف المصادر أن الحوار مع الجيش في هذا الموضوع مستمر وتقول إنها مدركة أن نهاية السنة هي الفترة التي على المحك.
أما في شأن زيارة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، فتدخل في إطار اللقاءات الدورية التي يجريها كلما زار لبنان، وسوف يطّلع على تطورات الوضع الأمني وأيضاً الإصلاحات التي بعضها متوقف بسبب تعطل البرلمان نتيجة الخلاف على تصويت المغتربين اللبنانيين في الانتخابات التشريعية. ويبدو أن لودريان لا يحمل أي جديد معه.
وذكرت "نداء الوطن" أنه إضافة إلى مناقشة الوضع الجنوبي ومسألة التفاوض وخطر اندلاع الحرب وترسيم الحدود والإصلاحات، سيناقش لودريان مؤتمر دعم الجيش والذي ستعمل باريس على محاولة عقده في العام المقبل بعد تعذر انعقاده في تشرين الثاني الماضي كما كان مقررًا.
وتشير المعلومات إلى أن لودريان سيكون ناصحًا خلال زيارته، وسيؤكد أهمية اتخاذ لبنان خطوات من أجل تجنب الحرب والعمل سريعًا على تطبيق القرارات الدولية واتفاق وقف إطلاق النار ووقف الخروقات.
اضافت: أن زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى سلطنة عمان يوميّ غد وبعد غد، تعتبر مهمة في هذه اللحظة الحساسة. فقد تم تحديد الموعد منذ شهر، أي عندما فتح عون باب المفاوضات. فعمان دولة تلعب أدوارًا تفاوضية وانطلقت من أرضها عدة مبادرات، وتشكل تقاطعًا بين أميركا وإيران ودول الخليج. وإضافة إلى بحث العلاقات الثنائية، ينتظر أن تكشف الزيارة عن أي محاولة عمانية أو دور ستلعبه في الملف اللبناني الإسرائيلي، وهذا الأمر سيظهر بعد الزيارة.
وكتبت" البناء": تتكثّف الضغوط الأميركية على «إسرائيل» لدفعها نحو اعتماد المسار الدبلوماسي بدل الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة على الحدود
اللبنانية. فخطوة التفاوض، في هذا التوقيت، تُعدّ بحسب واشنطن حمايةً للبنان وتماشياً مع رغبة المجتمع الدولي في ضبط الإيقاع العسكري والحدّ من احتمالات التدهور. غير أنّ ثغرة الموقف اللبناني تكمن في أنّ هذا التفاوض يُجرى تحت النار، ما يمنح «إسرائيل» هامشاً واسعاً لتوسيع مطالبها وفرض شروط تتجاوز سقوف النقاش السابقة، مستفيدةً من الضبابية السياسيّة والضغط الميداني لانتزاع تنازلات إضافية.
ونقل عن الموفد الأميركي توم بارّاك قولُه إنّه «ليس من الضَّروري نزع سلاح الحزب. الهدف أن نمنعَه من استعماله»، لافتًا إلى وجوب أن «يكون هناك حوارٌ مباشر بين لبنان و»إسرائيل»، غير حوار الـ»ميكانيزم»»، مشيرًا إلى أنّ «سفيرنا عيسى سيقوم بالمهمَّة» في هذا الإطار.
ولفتت أوساط سياسية عبر «الجمهورية» إلى انّ قرار الرئيس عون بتعيين السفير السابق للبنان في الولايات المتحدة الأميركية سيمون كرم رئيساً للوفد اللبناني المفاوض في لجنة «الميكانيزم»، ربما يكون قد سمح بكسب بعض الوقت وبسحب فتيل الحرب الواسعة التي كانت تبدو قريبة، لكنه لم يمنع تل أبيب من مواصلة اعتداءاتها وانتهاكاتها لاتفاق وقف الأعمال العدائية، الأمر الذي يبقي الوضع فوق صفيح ساخن. وأشارت الاوساط نفسها، إلى انّ المطلوب من واشنطن أن تضغط على القيادة الإسرائيلية حتى تقابل التجاوب اللبناني مع رفع مستوى تمثيل التفاوض بنوع من التهدئة الميدانية، لإفساح المجال أمام نجاح التجربة الجديدة وإجراء المفاوضات في بيئة ملائمة وليس تحت النار. وشدّدت الأوساط على انّ «من غير المقبول أن يستمر لبنان في إبداء المرونة والإيجابية من دون أن تكون هناك في المقابل أي خطوة ولو متواضعة من الجانب الإسرائيلي». واعتبرت انّ اجتماع «الميكانيزم» في 19 كانون الأول الجاري، والذي قد يكون الأخير هذه السنة، سيحمل مؤشرات إلى المنحى الذي ستتخذه الأمور، بعد انضمام العضوين المدنيين عن لبنان وإسرائيل إلى لجنة مراقبة وقف إطلاق النار.
وفي السياق، أبدت مصادر سياسية
قلقها من مواصلة إسرائيل اعتداءاتها على لبنان، على رغم من موافقة لبنان على مبدأ التفاوض والمشاركة برئيس مدني للوفد في اجتماعات «الميكانيزم»، بما في ذلك قيامها بالتوغل براً إلى مناطق إضافية خارج النقاط الخمس المحتلة، ثم التراجع. وقرأت المصادر في هذا السلوك مؤشرات مثيرة للقلق، من اعتماد إسرائيل فعلاً أسلوب المفاوضة تحت ضغط التصعيد العسكري، طمعاً في تحقيق أكبر مكاسب ممكنة. وهذا الأمر توقّعه كثير من المراجع في لبنان والخارج، كما أبدى «حزب الله» مخاوفه إزاءه، معتبراً أنّ العدو الإسرائيلي يستدرج لبنان إلى تقديم تنازل معين، وعندما يتحقق له، يبدأ بالضغط لفرض تنازل أكبر، إلى حدّ وصول لبنان إلى الاستسلام. وهذا هو الهدف الحقيقي الذي يتيح لإسرائيل السيطرة على الأرض والموارد ضمن مشروعها المعروف تاريخياً، والذي يحمل عنوان «إسرائيل الكبرى».
لكن اللافت هو أنّ الأوراق التي يملكها المفاوض اللبناني، والتي تسمح له بكبح جماح إسرائيل وعدوانها وأطماعها تبقى محدودة، لأنّها تقتصر على مقدار محدود من الدعم الذي تتلقّاه الحكومة اللبنانية من بعض العرب والغربيين وبعض المرجعيات الدولية ذات الطابع المعنوي كالأمم المتحدة والفاتيكان. ولذلك، سيكون تحدّي الحكومة في المرحلة المقبلة، إقناع الولايات المتحدة باتخاذ مواقف اكثر حزماً تجاه اعتداءات إسرائيل على لبنان. وكانت وسائل إعلام إسرائيلية نقلت أمس عن الرئيس دونالد ترامب دعوته بنيامين نتنياهو إلى التخلّي عن اسلوب التهديد العسكري ضدّ لبنان والانتقال إلى المفاوضات والحراك الديبلوماسي.