عُقد في وزارة العدل اجتماع تشاوري بدعوة من وزارة العدل والمؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم (LFPCP) ضمن إطار مشروع "بناء مستقبل لبنان: مقاربة متعددة الاتجاهات لبناء الدولة والتعافي"، وبهدف عرض ومناقشة الآليات والسبل لتطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة: ما أهميتها؟ وما المنهجية المقترحة، وهل من ضرورة لها اليوم من الناحية الانمائية أو الاجتماعية او السياسية؟.
حضر الاجتماع النائبان سامي الجميّل وطوني فرنجية ووزراء سابقون وسفراء وعدد من الفاعليات القضائية والخبراء الحقوقيين والأكاديميين والممثلين عن عدد من منظمات المجتمع المدني.
وتحدث الوزير نصار مشيرا الى أن "مقاربة اللامركزية في المجتمع تختلف حسب أهداف الشخص الذي يثيرها، البعض يطرحها من خلال معالجة الموضوع الطائفي، فاللامركزية تكون عندها وسيلة لتوزيع مناطقي وفقا للطوائف، والبعض الآخر يطرح اللامركزية كمدخل لطرح الفيدرالية فيرى اللامركزية كلمة مقبولة سياسيًا، في وقت أن الفيديرالية تثير تحفظات عند العديد من الجهات، فيما البعض أيضا يقارب مسألة اللامركزية من باب دستوري وحسن تطبيق الطائف والبعض أخيرا يطالب باللامركزية من باب الحوكمة الرشيدة وحسن إدارة المرافق العامة والخدمات للمواطنين".
وقال: :من الممكن أن تكون لكلمة اللامركزية في ذهن المتحدث أكثر من بُعد واحد إنما تسييس كل مصطلح وجعله مادة للتجاذبات السياسية يُفقد لبنان فرص الإصلاح والتطور والإنماء، فإذا كان البعد الطائفي مسألة لا يمكن تجاهلها فمن غير المنطقي أن تتحول وسيلة لتعطيل أي مبادرة إصلاحية، فالحوكمة الرشيدة ترتد إيجابا على الجميع أما الخلط بين الهواجس الطائفية المشروعة واستغلال الطوائف خدمة لمصالح حزبية أو إيديولوجية فهو ما أدى بلبنان الى ما هو عليه اليوم وأن موضوع اللامركزية ليس مجرد طرح وليس أمرا مرتبطا بحسن تنفيذ الطائف بل هو موضوع يهدف الى تنظيم الدولة والمجتمع في آن معاً".
تابع: "تتضمن اللامركزية نقل عدد من الوظائف المحصورة حاليا بالدولة المركزية الى المناطق التي بدورها تمارس هذه الوظائف من خلال سلطات محلية منتخبة تتمتع بالصلاحيات والاستقلالية المالية اللتين تجيزان لها تأمين الخدمات العامة. لن أدخل في صلب التقني وأترك الأمر للمناقشة في هذه الطاولة المستديرة انما لا بد من تعداد بعض حسنات اللامركزية:
- نقل بعض الوظائف من السلطة المركزية الى سلطات محلية يخفف من الجشع في تقاسم السلطة المركزية
- السلطات المحلية تمتلك أكثر من السلطة المركزية المقومات اللازمة لتأمين الخدمات العامة.
- محاسبة السلطات المحلية تتم على أساس قدرتها على الإنماء والاستجابة الى حاجات المواطن وليس على أساس الخط السياسي الوطني العام مما يدخل الانماء في صلب العمل السياسي أقله على الصعيد المحلي.
- انتخابات السلطات المحلية تساهم مساهمة فعالة في مكافحة منطق استئثار حزب بمجموعة أو طائفة.
ختم: " لقد وضع اقتراح قانون اللامركزية، وبحسب ما لدي من معلومات، فقد تمت مناقشة الجزء الأكبر منه في اللجان وليس من سبب للتأخير في إنجازه وإنني أترك أمر عرض مسار الاقتراح والنظرة المستقبلية للنائب سامي الجميّل".
ثم تحدث النائب الجميل، فقال: "لقد درست الحقوق ثم دراسات عليا في القانون العام، وبشكل خاص في القانون الدستوري، وبالتالي لا تزال الأمور عالقة في رأسي. وخلال دراستي لم أقرأ ابدا اللامركزية المالية أو السياسية أو الإدارية، لقد قرأت كلمة لامركزية فقط. علما أن اللامركزية هي مفهوم قائم بحد ذاته ولا تحتاج لتوصيف او تحديد ماهيتها، لديها مواصفات واضحة، اولها وحدات اللامركزية التي لديها الشخصية المعنوية والاستقلالية المالية وهي منتخبة، وصلاحيات يعطيها لها القانون بشكل متفاوت بحسب الدولة. هناك دول تعطي صلاحيات اضافية عن غيرها أو امكانات مالية مختلفة عن غيرها، لكن مفهوم اللامركزية هو مفهوم قائم بحد ذاته وليس بحاجة الى تحديد. وبالتالي فإن الخطأ الشائع الاول والأخير في الحياة السياسية في لبنان هو محاولة وصف هذه اللامركزية وهي ليست بحاجة الى ذلك".
اضاف: "عندما دخلت الى المجلس النيابي في العام 2009، كان هناك ثلاثة قوانين مقدمة: قانون ميشال المر وقانون روبير غانم وقانون أوغست باخوس، وهذه القوانين الثلاثة عن اللامركزية، مع الأسف، لا شيء يربطها باللامركزية، وهي خليط لبناني ومحاولة القول لامركزية ولكن بالفعل كل شيء تحت إشراف الدولة ولا وجود لأي استقلالية يرأسها القائممقام، وهو ما يعتبر مخالفة جوهرية لمفهوم اللامركزية التي من المفترض أن تكون منتخبة بالكامل. وبالتالي بدأنا بصياغة قانون لامركزية بدءا من العام 2011 ضمن إطار مشروع طويل وعقد يحتاج الى الكثير من العمل، في ظل أحداث كانت تدور في البلد، وقد تأخرنا في هذا الموضوع الى العام 2013، حيث كانت لجنة الوزير زياد بارود برئاسة فخامة الرئيس ميشال سليمان قد قامت بعمل كبير، وتم تحضير مشروع متكامل، وقد اعتبرنا أنه المشروع الاقرب الى رؤيتنا للامركزية لأنه يحترم كل المعايير الدستورية للامركزية. وبالتالي في العام 2015 وفي ظل الفراغ الرئاسي، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسة حوار وطني، وضع بند اللامركزية على جدول أعمالها، ولدى الوصول الى هذا البند، قرر الرئيس بري ترحيل كل قوانين اللامركزية الى اللجان النيابية لدراستها، وقد اعترضت حينها على الموضوع، وقلت إن كل القوانين المقدمة ليس لها علاقة باللامركزية. وبالتالي هناك قانون تم تحضيره في قصر بعبدا وهو الأقرب الى اللامركزية، واذا أردنا العمل على اللامركزية علينا التركيز على هذا القانون لأن باقي القوانين لا تصلح للمناقشة".
وتابع: "كان لدينا مشكلة بأن القانون غير مقدم، لا كمشروع قانون ولا كاقتراح قانون، وبالتالي فقد تبنيت هذا القانون ووقعت عليه وقدمته الى المجلس النيابي، وفي الجلسة الأخرى للحوار الوطني، طلبت من الرئيس بري إنشاء لجنة فرعية مخصصة لدراسة اللامركزية وهذا ما حصل. فقد شكل الرئيس بري لجنة فرعية أحيل اليها القانون الذي تقدمت به، وهو القانون الذي وضعه الوزير بارود، وبدأنا مناقشة هذا القانون على مدى ثلاث سنوات عقدنا في خلالها اكثر من 76 جلسة، أي نحو 300 ساعة عمل وقد انهينا نحو ثلاثة أرباع القانون، اي تم إنجاز نحو 75 بالمئة منه في حضور كل الكتل النيابية وكل الأحزاب السياسية، ومع وصولنا الى العام 2018 توقف كل شيء وتغيرت لجنة الإدارة والعدل والرئاسة ودخلنا في أزمة كبيرة حينها، وفي العام 2019 توقفت مناقشة هذا الموضوع ولم يستأنف النقاش فيه والمسؤولية هنا هي على رئيس المجلس ورئيس لجنة الإدارة والعدل وعلى نائب رئيس مجلس النواب الذي كان يتولى المتابعة كل اللجان الفرعية، فتوقف النقاش في هذا الموضوع. علما انه حين تقدمنا بالمشروع حصلت مناقشات معمقة، سواء بمواضيع لها علاقة بالشؤون المالية للامركزية وغيرها، ومنذ ذلك الحين نطالب باسئتناف العمل بهذا الموضوع، ولغاية اليوم لا نفهم سبب عدم استئناف العمل بهذه اللجنة الفرعية وهذا قرار سياسي يعرقل إقرار اللامركزية، وبالتالي هذا هو الملخص عن الواقع. لدينا قانون جيد تمت مناقشته وأقر أكثر من 80 بالمئة منه، والمطلوب اليوم إعادة تفعيل العمل لإنهاء هذا الموضوع وإرساله الى المجلس النيابي من أجل الإقرار".
بدوره، قال النائب طوني فرنجيه: "يسرني أن اشارككم على هذه الطاولة الحوارية المخصصة لمناقشة الآليات والسبل العملية لتطبيق اللامركزية، ليس بوصفها شعارا إداريا بل كخيار وطني إصلاحي يرتبط مباشرة بمستقبل التنمية والإصلاح. فمنذ توقيع وثيقة الوفاق الوطني في العام 1989 دخل مفهوم اللامركزية حيز الإجماع في لبنان بعدما كان يصدر سابقا عن حيز فئوي في حقبات متعددة من تاريخ الجمهورية اللبنانية".
وأوضح أن "اتفاق الطائف نبذ نزوات الفيدرالية التي ظهرت في أعوام الحرب، فهو بنصه على اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة، أقفل الباب في وجه الطروحات اللامركزية السياسية والفيدرالية، لكن وبالرغم من مرور نحو ثلاث عقود على توقيع الوفاق الوطني، لا يزال إصلاح اللامركزية الإدارية مدرجا في أجندة الإصلاح السياسي والإداري في لبنان، ولم يقترن بتطبيق تشريعي على الرغم من بروز مشاريع واقتراحات قوانين عدة والتي طرحت وجرى التداول بها منذ العام 1990. فاللامركزية الادارية هي نظام يعتمد على توزيع السلطة الادارية واتخاذ القرارات على مستوى محلي او اقليمي بدلا من ترك هذه الصلاحيات بشكل مركزي. ففي نظرية الإدارة والحكم يمكن اعتماد اللامركزية في اي دولة بما في ذلك لبنان، لكن يجب أن يتم ذلك بناء على دراسة شاملة للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد مع مراعاة العوامل الثقافية والدينية والتاريخية، حيث يمكن أن تكون اللامركزية الإدارية لها تأثيرات متعددة على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي".
ولفت الى أن "أهمية اللامركزية الأدارية قد تشمل: تعزيز المشاركة المحلية والتنمية المستدامة وتحسين الخدمات المحلية والتقليل من التوترات السياسية". وقال: "أما التحديات التي تواجه تنفيذ اللامركزية في لبنان فهي التوزيع العادل للموارد، التحديات المالية والاقتصادية، التوترات الطائفية، ضرورة الحوار والتفاهم، ضرورة إصلاح القطاع العام، ضرورة تطوير القدرات المحلية، التوازن بين الوحدات المحلية والوحدات الوطنية والتحديات الأمنية، لذا نحن مع اللامركزية الإدارية الموسعة بقانون متطور يستغل المكننة والمستجدات في مجال الذكاء الاصطناعي مع مقاربة التحديات المذكورة أعلاه بروية وتوازن لاسيما الانماء المتوازن وكل ذلك لضمان تحقيق الفوائد المرجوة من دون إحداث تشوهات أو توترات في النظام الإداري والوطني".
وختم فرنجيه قائلا: "من هنا تأتي اهمية هذا النقاش اليوم للانتقال من العموميات الى الآليات التطبيقية الواقعية ومن الشعارات الى السياسات القابلة للتنفيذ بما يخدم المواطن أولا وأخيرا، آملا أن تخرج هذه الطاولة بتوصيات عملية تسهم في بناء دولة أكثر عدالة وكفاية". (الوكالة الوطنية)