تشير المعطيات الإقليمية المتراكمة إلى أنّ المنطقة تقف على عتبة تحوّلات كبيرة قد تعيد رسم خرائط النفوذ والتحالفات، خصوصًا بعد الإعلان عن قيام تحالف إسرائيلي – يوناني – قبرصي موجّه بشكل واضح ضد
تركيا. هذا التطور لا يمكن التعامل معه كخطوة تقنية أو ظرفية، بل كإشارة سياسية وأمنية تحمل أبعادًا استراتيجية تتجاوز شرق المتوسط إلى مجمل التوازنات الإقليمية.
أهمية هذا التحالف لا تكمن فقط في أطرافه، بل في ما قد يستجرّه من ردود فعل مضادة. فالتاريخ القريب يؤكد أن أي محور يولّد تلقائيًا محورًا مقابلًا. وفي هذا السياق، تبدو ملامح تحالف جديد قيد التشكل، قد يضم تركيا وإيران والسعودية ومصر، رغم التباينات المعروفة بين هذه الدول. الجامع بينها ليس الانسجام السياسي الكامل، بل القلق المشترك من تمدد الدور
الإسرائيلي ومحاولته التحول إلى لاعب مركزي يفرض وقائع أمنية وجيوسياسية على حدود الآخرين.
اللافت أنّ تباشير هذا المسار بدأت تظهر منذ ما بعد الضربة التي استهدفت قطر، والتي شكّلت لحظة مفصلية في إدراك عدد من العواصم الإقليمية أن مرحلة جديدة قد فُتحت، عنوانها إعادة التموضع وبناء شبكات أمان سياسية وأمنية عابرة للخلافات التقليدية. من هنا، يمكن فهم بعض الانفتاحات المتبادلة، والتخفيف المدروس للتوترات، والبحث عن قواسم مشتركة لم تكن مطروحة بجدية قبل سنوات قليلة.
في هذا المناخ، يبدو رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين
نتنياهو في سباق مع الوقت. فإسرائيل تدرك أن اكتمال أي تحالف إقليمي واسع سيقيّد هامش حركتها ويحدّ من قدرتها على فرض شروطها. لذلك يظهر الاستعجال واضحًا في محاولة إغلاق ملفات تعتبرها
تل أبيب مفصلية، وعلى رأسها الملف
الإيراني وملف
حزب الله. الحساب الإسرائيلي يقوم على أن إضعاف هذين العنوانين قبل تبلور التوازنات الجديدة قد يمنح
إسرائيل أفضلية استراتيجية طويلة الأمد.
لكن هذا السلوك نفسه يثير قلق أنقرة. فتركيا تنظر إلى إضعاف
إيران وحزب الله كخطوة لا تتوقف عند حدودهما، بل تفتح الطريق أمام تمدد إسرائيلي مباشر أو غير مباشر باتجاه المجال
التركي الحيوي. من وجهة النظر
التركية، فان سقوط خطوط الدفاع المتقدمة في الإقليم يعني اقتراب الخطر من الداخل، وهو ما يفسر حساسية أنقرة العالية تجاه أي تصعيد واسع في هذه المرحلة.