Advertisement

لبنان

سلطة سياسية لا تحبّ "المشاوي والشباب"!

ربيكا سليمان

|
Lebanon 24
28-10-2019 | 12:18
A-
A+
Doc-P-639819-637078862944942910.jpg
Doc-P-639819-637078862944942910.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
لم يُخطئ من علّق على تظاهرات نصف الشعب اللبناني بالقول: "يا له من شعب"! ولم تبالغ وسائل الإعلام العالمية عندما اعتبرت أنّ الثورة التي يشهدها لبنان، "هي من أعظم الثورات". وفي الحقيقة، ليس الأداء السلمي اللافت الذي يتسمّ به "ثوّار لبنان" هو وحده ما أوصل إلى تلك الخلاصات والانطباعات، بل أيضاً ثورة هذا الشعب على طائفيته وانتماءاته السياسية والحزبية العمياء واعتباراته الشخصية، وصولاً إلى انصهاره في حضن المواطنة والإنسانية، وتفوّقه بالتالي على نفسه قبل كلّ شيء.
Advertisement

ومع أنّ كلّ هذه السلوكيات والتحوّلات المجتمعية الطارئة هي الأهمّ بحسب "مقياس ريختر الثورات"، لكن يصعب في الوقت نفسه تغييب أهمّ ميزات اللبنانيين، التي أعطته، من دون أدنى شكّ، علامات إضافية ومجانية كثيرة ساهمت ولا تزال في إنجاح الثورة. المقصود طبعاً: إبداع اللبنانيين.

عندما اندفع اللبنانيون إلى الشوارع عقب الإعلان عن موافقة الحكومة على فرض ضريبة على "الواتساب" (وفعلياً على التخابر عبر الإنترنت)، لم يكن أحدٌ يتصوّر أنّ ما سوف يبدأ للتوّ كانتفاضة غضب واعتراض، سيستحيل ثورة عامرة يصوغها نصف الشعب اللبناني. هكذا، انطلق الإبداع. أبدعت الناس التي كانت مُتهمة بالخمول والخنوع والإستسلام والتأقلم السلبي، في غضبها، وفي صرخات الوجع واليأس التي أطلقتها. عرف اللبنانيون كيف يكسرون حاجز الخوف، فأتقنوا بالتالي لغة الحرية، وسرعان ما باتت كلّ الساحات، ساحات شرف وكرامة.

ولعلّه من المفارقات، أنّ "الواتساب" الذي كان بمثابة "كبريتة" مشتعلة رميت في الجمر، لعب دوراً أساسياً في توسيع بيكار "الإنتفاضة" وحضّ اللبنانيين على النزول إلى الشوارع وشلّ البلد من خلال قطع الطرقات، بل بالأحرى بات، هو وبقية منصات التواصل الاجتماعي، وقود الثورة وبوصلتها.

على هذا النحو، لم يتأخر اللبنانيون في الإفادة من "السوشيل ميديا" وتطبيقات التواصل لصقل ثورتهم وإيصال أصواتهم وتوضيح مطالبهم، ففاض الإبداع، على الرغم من كلّ النكات التي تخطت الخطوط الحمراء في اللياقة والأدب.

ومنذ اليوم الأول، أو ربما الثاني "في توقيت الثورة"، أدرك اللبنانيون أنّ ثورتهم لن تكون كبقية الثورات. ميدانياً، نجح "الثوّار" في رسم معالم واضحة للحراك: لن يكون هناك شغب، ولا حرائق تأكل الأخضر واليابس ولا دماء، على رغم الإصرار الواضح على عدم الانسحاب من الساحات أو التعب أو الملل أو الخوف. هكذا، تحوّلت الطرقات ساحات للحوار والنقاش الفكري، ومهرجانات وحفلات راقصة، ومساحات واسعة لـ"فشّ الخلق" والمطالبة بالحقوق المسلوبة والمهدورة، وأداة ضغط لإسقاط الحكومة الحالية وتشكيل أخرى من ذوي الاختصاص، وطبعاً محاسبة الفاسدين.

"أراكيل" و"مشاوي" ومطربون ورقص وصور "سيلفي" وإبداعات بالجملة: هذا من يأتي بحوض سباحة ويجلس فيه بـ"المايوه"، وهذا من يتقدّم لخطيبته بعرض الزواج، وشبانٌ يلعبون الطاولة وآخرون يأتون بأثاث المنزل إلى الطريق، ومجموعة تقوم بتمارين "اليوغا"... وباتت لأمسيات الثورة برامج فنية متنوّعة وعروض للأطفال والكبار…

بالفعل، كان الشعب اللبناني أسعد الشعوب التعيسة، لكنّ حتى هذا الأمر لم يرق للبعض! فهل المطلوب أن تحطّم الناس الأملاك العامة وتتضارب وتصل الدماء الى "الركب" كي يُفهم أنّ ما يقوم به هذا الشعب هو ثورة  حقيقية لا "كزدورة"؟ وثمّ، ألا يبدو فعلاً أن السلطة السياسية لا تحركّها إلا الفاجعة وروائح الموت؟!
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك