الحكومة نجحت ولم تنجح في خطة تأمين العودة من الخارج لعدد محدود من اللبنانيين الراغبين بالعودة إلى كنف الوطن، ومن بينهم طلاب متروكون ولا من يسأل عنهم، وهم بعيدون عن الوطن وعن أهاليهم، ويتملكّهم الخوف والقلق على المصير.
الحكومة نجحت في تسويق نفسها مستغلة الحركة اللافتة لوزير الصحة الذي آل على نفسه مهمة تأمين السلامة الصحية للوافدين من الدول الأوروبية والعربية والإفريقية.
وهي لم تنجح، إن لم نقل فشلت، حيث سجل أكثر من إعتراض من قبل لبنانيي الخارج أنفسهم على الطريقة الإنتقائية، التي تمت فيها عملية ترحيل عدد محدود من اللبنانيين الراغبين بالعودة، وأعدادهم كبيرة، وهم يرفعون الصوت من أجل تأمين عودتهم في اسرع وقت. فبدلًا من توقيف الرحلات لإسبوعين من دون أن نفهم السبب الذي أملى على الحكومة إتخاذ مثل هكذا قرار، كان يُفترض أن "تدوبل" الرحلات اليومية، لأن هناك اعدادًا كبيرة، ولاسيما الطلاب منهم، لم يعودوا يتحمّلون أكثر من ذلك، وهم من دون أموال أو مساعدة.
كان من المفروض على المصارف أن تسهّل عملية تحويل الأموال الضرورية لعدد لا بأس به من الطلاب، بدلًا من عرقلة معاملات التحويلات بحجة أن ليس في المصارف دولارات كافية، وهذا ما يزيد الأزمة حدّة، مع العلم أنه صدر أكثر من تعميم عن مصرف لبنان، بطلب من الحكومة، لتسريع عملية التحويلات إلى الخارج، بعد إبراز صاحب العلاقة المستندات التي تبيّن أن الأموال التي ستحّول هي لغايات محدّدة الأهداف.
وقد وردنا خلال هذا الأسبوع أكثر من شكوى من أباء وامهات الطلاب حول هذا الموضوع، وهم يناشدون الحكومة لكي تفرض على المصارف بطريقة ما عدم عرقلة التحويلات، وضرورة البت بهذه المسألة في أقرب وقت ممكن، لأن كيل هؤلاء الطلاب قد طفح، ولم يعودوا قادرين على الصمود أكثر من ذلك، وهم يعانون الأمرّين في غربة لا سند لهم فيها، وهم باتوا في حالة مأسوية، جسديًا ونفسيًا، خصوصًا أنهم مهددّون كل لحظة بأن يصابوا بعدوى الـ "كورونا"، على رغم ما يفرضونه على أنفسهم من حجر منزلي، ولكنهم يضطرّون في كثير من الأحيان للخروج لتأمين حاجياتهم من المواد الغذائية الضرورية.
أمران لا نفهمهما، الأول لماذا توقفت الرحلات الإنقاذية، والثاني لماذا لا يُسمح بتحويل الأموال إلى الطلاب في الخارج بالتحديد. وإلى أن تتبدّد الشكوك وتنجلي الحقائق يبقى اللبنانيون في الخارج رهن مزاجية الحكومة، التي تغلق المطار في أشد الأوقات حاجة إلى إعادة فتحه وتنظيم رحلات لهؤلاء اللبنانيين، بحسب الأولويات وليس بحسب التنفيعات والمحسوبيات، ووفق معايير محدّدة وواضحة، إذ تكون الأولويات للمسنين، ومن ثم الطلاب إلى آخر هذه الأولويات.
أما الأمر الثاني الذي لم نفهمه حتى هذه الساعة فهو تمنّع المصارف عن تحويل الأموال الضرورية والمعروفة الأهداف والغايات، وهو حقّ لكل مودع بالتصرف بجزء من ودائعه من أجل تغطية نفقات ضرورية للطلاب في الخارج، إذ لا يمكن أن نتخيّل الوضع المأسوي، الذي يعيشه هؤلاء الطلاب وأهاليهم، الذين لا يملكون سوى الشكوى.
ما نفهمه أن هذه الحكومة تتعاطى مع الشأن العام بالقطعة وبما تيسّر وبما يبيّض صفحتها فتظهر بمظهر طوباوي. وهنا تكمن الخطورة!