Advertisement

مقالات لبنان24

زياد دويري مذنب - بريء: حاكموا الدولة اللبنانية!

ربيكا سليمان

|
Lebanon 24
13-09-2017 | 11:13
A-
A+
Doc-P-365642-6367055822517114161280x960.jpg
Doc-P-365642-6367055822517114161280x960.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
مؤسفٌ ما يدور من سجالات عقيمة ومتطرّفة ولا عقلانية حول قضية المخرج اللبناني – الفرنسي زياد دويري الذي احتُجز جواز سفره في مطار بيروت لدى وصوله إليه (الأحد)، ليتمّ التحقيق معه في المحكمة العسكرية في اليوم التالي بتهمة زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة من دون موافقة صريحة من السلطات اللبنانية، ويخرج بعدها "حرّاً من دون توجيه أي تهمة إليه" كون "الأفعال الملاحق بها مرّ عليها الزمن كلّها بانقضاء ثلاث سنوات". كالعادة، انقسم الرأي العام بين مدافع عن دويري وبين مهاجم وصل به الأمر إلى المطالبة بمنع عرض فيلمه الجديد "القضية رقم 23" في الصالات اللبنانية كون مخرجه متهم "بالتعامل والتطبيع مع العدوّ". دخلت بطبيعة الحال وسائل الإعلام المحلية في هذا الجدل المُستفحل، فكان أن تحوّل قسمٌ منه محامي دفاع مرافعاً عن الرجل، وبدا القسم الثاني متوّكلاً مهام المدعي العام. قد يكون الأمر صحيّاً وطبيعياً، بخاصة وأنّ مثل هذه القضايا الشائكة التي تجتمع فيها الأبعاد القانونية والسياسية والثقافية والفنية والأخلاقيّة، تفتح المجال أمام هذا الكمّ من "الأخذ والردّ". لكن مهلاً.. ما يحدث على أرض الواقع ليس "صحيّاً" تماماً، وهو في الحقيقة يفضح عورات كثيرة تشوب شتّى المجالات، بما فيها الإعلاميّة والمجتمعية والقانونية. من يتابع تفاصيل "الهمروجة" القائمة حالياً في قضية دويري والمتمددة على وسائل التواصل الاجتماعي وصفحات الجرائد، يلحظ فوراً أنّ ثمة تركيزاً وتصويباً واضحين على المخرج بصفته مواطناً لبنانياً خالف القانون ليرتكب أشنع جرم سياسيّ، فيما يتمّ الإغفال عن مسؤولية الدولة اللبنانية واستنسابها أو بالأحرى مزاجيتها في تطبيق القوانين وملاحقة المخالفين! ولا بدّ هنا من العودة إلى تفاصيل القضية وحيثياتها لتوضيح الصورة أمام الرأي العام بموضوعية وبعيداً من أي أحكام مسبقة أو مواقف فضفاضة. في الوقائع المعروفة والمعلنة أنّ المخرج دويري كان قد صوّر فيلماً بعنوان "الصدمة" في العام 2012 في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحديداً في ما يُعرف بـ "تل أبيب"، واصفاً إياه بأنه "فيلم بسيكولوجيّ جداً لا فيلماً سياسياً، فهو رحلة بسيكولوجية عن الحب والخيانة...حيث يبدو النزاع العربي الإسرائيلي في الخلفية". الفيلم السينمائي مُنع عرضه في الوطن العربي بناء على قرار لجنة مقاطعة إسرائيل في الجامعة العربية على رغم نيله السعفة الذهبية في "مراكش" في 2012، إذ اعتُبر جزءاَ من مسلسل التطبيع مع إسرائيل (اتهم بتجاهل المأساة الفلسطينية والاعتراف بدولة إسرائيل على رغم إقرار المخرج بأنه يناصر القضية الفلسطينية)، علماً أنّ دويري استعان بممثلة إسرائيلية لتلعب دور الفلسطينية التي فجّرت نفسها في مطعم يعجّ بالأطفال، وأقرّ بقضائه قرابة العام في ربوع "العاصمة الإسرائيلية"، وصولاً إلى حدّ تصريحه لإحدى الوسائل الإعلاميّة بأنه اكتشف أنّ "تصرّف الإسرائيليّين الشاذ وعنفهم لا يأتيان بفعل الكراهية أو العنصرية فحسب، بل أيضاً بداعي الخوف". آنذاك، شُنّت حملة إعلاميّة ضدّ دويري باعتباره مطبعاً مع إسرائيل ومخالفاً لقانون العقوبات اللبناني الذي ينصّ صراحة في المادّة 285، على أنه " يعاقَب بالحبس سنةً على الأقلّ، وبغرامةٍ لا تنقص عن 200 ألف ليرة لبنانية، كلُّ لبناني، وكلُّ شخصٍ ساكنٍ لبنانَ، أقدم، أو حاول أن يُقْدم، مباشرةً، أو بواسطة شخصٍ مستعار، على صفقة تجارية، أو أيّ صفقةِ شراءٍ أو بيعٍ أو مقايضةٍ مع أحد رعايا العدو، أو مع شخصٍ ساكنٍ أرضَ العدوّ"، ومخالفاً كذلك القانون الذي يحظّر الدخول إلى إسرائيل من دون إذن من الحكومة اللبنانية. لكنّ المفاجأة أنه على رغم كل الضجة التي أثيرت حول دويري آنذاك والاتهامات التي وجهّت إليه، إضافة إلى منع عرض فيلمه في الصالات اللبنانية، فإن الدولة اللبنانية لم تعمد إلى توقيفه والتحقيق معه (بأمر أقرّ واعترف بالقيام به على الملأ) طوال كلّ السنوات الماضية. وبحسب ما يؤكد المخرج، فإنه سبق وأن زار لبنان عدّة مرات، بل إنه صوّر فيه فيلمه الجديد "قضية رقم 23" الذي أتى بالأمس من أجل إطلاقه رسمياً، بعد أن فاز بجائزة أفضل ممثل لكامل الباشا في مهرجان البندقية. وهنا بيت القصيد... لماذا التصويب الإعلاميّ (المدافع والمهاجم) المبرمج والممنهج على دويري الذي خالف قطعاً القانون اللبناني، والإغفال عن مساءلة الدولة اللبنانية التي امتنعت، لسبب ما، في ملاحقته وتوقيفه بما نُسب إليه؟ ألا يُعدّ هذا الأمر بمثابة استنسابية ومزاجية في تطبيق القانون، وربما تواطؤاً في حماية المخالف ومحاولة تبرئته عن طريق ما يُعرف بـ" مرور زمن ثلاثيّ" كما حصل اليوم؟ لا حاجة طبعاً إلى الإقرار بأن دويري مذنبٌ في دخوله الأراضي المحتلّة دون موافقة مسبقة من الحكومة اللبنانية، والحال أن إصراره على القول أنه بعث وقتذاك برسالة إلى وزارة الدفاع يطلب فيها الإذن للإقامة داخل الأراضي المحتلة والتصوير فيها ولما لم يأته الردّ ظنّ أنه نال موافقة ضمنية، هو عذرٌ أقبح من ذنب. مخرجٌ مثقف وفهيم مثله عليه أن يُلمّ ببديهيات القوانين وبقاعدة "القانون لا يحمي المغفلين"، أو على الأقلّ الاستقصاء عن الموضوع قبل القيام بمثل هذه الخطوة! أما محاولته فصل الثقافة والفنون عن السياسة عبر دعوته إلى محاسبته "كسينمائي لا كسياسيّ"، ليست أيضاً مقنعة. عندما يكون القانون واضحاً ومعمولاً به، على الجميع احترامه والتقيّد به، حتى لو اعُتبروه غير محق أو منقوص أو غير عادل أو غير منطقي.. هذا الأمر ينسحب تماماً على مواقف من يدافعون عن "دويري"، "عالعمياني"، مستخدمين العناوين العريضة والمطاطة وأبرزها "الدفاع عن الحريات والفنون". فهل تلك الحريات والابداعات الفنيّة تعني منح الأشخاص حصانة مجانيّة تخوّلهم القفز فوق القوانين (حتى لو كانت مجحفة)؟ إذا كان الأمر كذلك، فهيا بنا نسمح "بالأعمال الفنيّة" التي تُشجّع على القتل والاغتصاب والإرهاب والخيانة العظمى، أو تتوّسل أداة جرمية لإنجازها. ومع ذلك، يبقى هذا الموضوع شائكاً جداً وجدلياً إلى أقصى الحدود على اعتبار انّ ما قد يكون لاقانوني هنا، قانونيّا في مكان آخر! ليس هذا وحسب، بل إنّ أخطر ما في الموضوع هو تعمّد البعض خلط الحابل بالنابل لمجرد ظهور اسم إسرائيل في حدث ما، وبخاصة في ظلّ القانون اللبناني الذي تحدث عن لاقانونية اقامة علاقات تجارية مع العدو الاسرائيلي والدخول إلى الأراضي المحتلة، من دون ذكر أنواع أخرى من علاقات التطبيع: الثقافية والفنية والاجتماعية...وعلى رغم تأكيد عدد من الخبراء القانونيين أنّ القانون ليس بحاجة إلى اجتهادات وأنّ روحيّته تُحظّر مطلق اي علاقة مع اسرائيل ورعاياها، فهذا لا يعني انه ليس بحاجة إلى تطوير وتعديل وتحديث ليصبح أكثر وضوحاً في عصر التكنولوجيا والعولمة. فمن الواضح أن ضحايا كثر يقعون فريسة المنضوين تحت لواء مقاطعة إسرائيل، على سبيل المثال لا الحصر مهرجان Tomorroland البلجيكي الأصل الذي أقيم هذا العام في لبنان وما رافقه من دعوات لمقاطعته لكون إسرائيل من ضمن الدول المستضيفة هذا الحدث في الليلة نفسها، رغم تأكيد القائمين عليه ألا بثّ باشراً سيكون بين الدولتين. ونذكر من "الضحايا" أيضاً إحدى ملكات جمال لبنان التي ألقت التحيّة على زميلتها الإسرائيلية. ولعلّ توسيع "أنواع التطبيع" لتشمل مختلف المجالات الحياتيّة قد يكون صعباً أو غير قابل للتطبيق في وقت يتوّلى فيه اسرائيليون مناصب مدراء في شركات تصل بضائعها إلى لبنان! على أي حال، الموضوع معقد ومتشعب وواسع. في خلاصته أنّ دويري مذنبٌ، أقلّه في دخول الأراضي الفلسطينية من دون إذن مسبق من السلطات اللبنانية المعنيّة، لكنه كما قال القضاء اليوم بريء! لا بدّ من مساءلة الدولة على التقصير والإهمال. أما محاسبة الحناجر والأقلام والأبواق التي هدرت دم المخرج دويري وطالبت بمنع فيلمه الحالي الذي لا دخل له بالقضية السابقة(التي لم يقل فيها القضاء كلمته أصلاً في السنوات الماضية) وقد نال موافقة لجنة الرقابة في لبنان.. فهذا حتماً من الأولويات، أقلّه حفاظاً على ماء وجه القضاء!
Advertisement
مواضيع ذات صلة
02/08/2025 15:45:14 Lebanon 24 Lebanon 24
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك