أعلن فريق بحثي من المركز القومي للبحوث في مصر عن تطوير تركيبة مبتكرة لسماد مركب بطيء الذوبان متعدد المغذيات، في خطوة جديدة نحو تحقيق زراعة أكثر استدامة وكفاءة. السماد الجديد يعد الأول من نوعه محليًا، ويهدف إلى تحسين كفاءة استخدام العناصر الغذائية في التربة، وتقليل الفاقد منها، ما ينعكس على الإنتاجية الزراعية ويقلل الأعباء الاقتصادية والبيئية.
قاد الابتكار الدكتور خالد أبو الشربيني، أستاذ الكيمياء غير العضوية بالمركز، وقد تم تسجيله كبراءة اختراع تحت التقييم، ونشرت تفاصيل منه في دورية "إيجيبشيان جورنال أوف كيمستري". ويعتمد السماد على تركيبة دقيقة تحتوي على المغذيات الكبرى الثلاثة: النيتروجين، الفوسفور، والبوتاسيوم، إلى جانب الكبريت والكالسيوم كمغذيات ثانوية.
وأوضح أبو الشربيني أن الذوبان السريع للأسمدة التقليدية مثل اليوريا يؤدي إلى فقدان ما يصل إلى 40% من المغذيات، إما بالتسرب أو التطاير، مما يؤثر سلبًا على البيئة ويزيد من الكلفة على المزارعين. أما التركيبة الجديدة، فبطيئة الذوبان وتُفرِج المغذيات بشكل تدريجي، ما يزيد من استفادة النبات ويقلل الفاقد.
في مرحلة التصنيع، استخدم الفريق تقنيات "الميكانوكيمياء" لدمج المكونات دون الحاجة إلى مذيبات عضوية أو عمليات حرارية معقدة، مما يجعل المنتج صديقًا للبيئة. تم استخدام النشا وسيلكات الصوديوم كمكونات رابطة لضمان التماسك، وغُلف السماد بمادة كلوريد هيدروكسيد المغنيسيوم المعروفة بـ"الإسمنت الأخضر"، ما أبطأ من الذوبان وأضاف المغنيسيوم كمغذٍّ إضافي للتربة.
كما اختبر الفريق عدة وسائط حاملة للسماد، وكان أداء الفحم الحيوي الأفضل بفضل خصائصه الفريدة مثل المسامية العالية، والقدرة على امتصاص المغذيات وتحريرها ببطء، وعدم ذوبانه في الماء، مما يضمن إطلاق العناصر الغذائية على مدى زمني أطول. وأكدت نتائج التحاليل باستخدام الأشعة السينية والمجهر الإلكتروني والطيفي أن التركيبة تمتلك خصائص فيزيائية وتركيبية فعالة.
وفيما يخص الأداء الزراعي، أوضح أبو الشربيني أن السماد سجل نسب إطلاق بطيئة بلغت 56% للبوتاسيوم، و50.3% للنيتروجين، و25.6% للفوسفور. كما ساهم في تحسين إنتاجية النباتات وزيادة الكتلة الحيوية ووزن البذور بنسبة تقترب من 25%.
الابتكار لا يحمل فوائد زراعية فقط، بل أيضًا أمنية، إذ إن دمج اليوريا مع مغذيات أخرى يقلل من احتمالات استخدامها في صناعة المتفجرات، ما يعزز الأمان في التداول.
يتميز السماد الجديد بثبات كيميائي جيد وسلامة في التخزين، مع قدرة على الاحتفاظ بخصائصه لفترة طويلة، وتم تصنيعه باستخدام مكونات محلية بنسبة 80%، ما يخفض التكاليف ويعزز الاعتماد على الإنتاج المحلي.
وتُجرى حاليًا تجارب على تربة مأخوذة من محافظة كفر الشيخ، مع التخطيط لتجارب إضافية في مناطق مختلفة داخل مصر، لتحديد الإرشادات المثلى للاستخدام بحسب نوع التربة.
من جانبه، أبدى الدكتور محمد الحجري، الأستاذ المساعد بمركز بحوث الصحراء، إعجابه بالابتكار من حيث الكفاءة والإنتاجية والجانب البيئي، لكنه تساءل عن فعالية السماد في أنواع تربة مختلفة، ومدى توافق معدل الذوبان مع مراحل النمو النباتية، بالإضافة إلى الجوانب الاقتصادية والتقنية المتعلقة بالإنتاج.
ورد أبو الشربيني بأن السماد مرن وقابل للتعديل وفق كل نوع تربة، وأن التجارب أثبتت توافق معدل الذوبان مع احتياجات النبات. كما أشار إلى أن تكلفة السماد ستكون مناسبة في حال دعمه بنفس آلية دعم اليوريا، لافتًا إلى أن الفلاح سيستفيد لأنه لن يضطر لاستخدام ثلاث أنواع مختلفة من الأسمدة، أو لتكرار التسميد خلال الموسم.
ويتوقع الفريق البحثي أن يسهم هذا المنتج في تقليل فاتورة استهلاك الأسمدة في السوق المحلية بما يصل إلى 200 مليون جنيه سنويًا، مع فرص واعدة لتصديره للأسواق الخارجية الباحثة عن حلول زراعية مستدامة وفعالة.