لم تكن الشمس قد أشرقت تمامًا على يوم الخميس، حتى جاء الخبر الذي ترك كرة القدم يتيمة، وأطفأ أحد أجمل ألوانها. ديوغو جوتا، النجم البرتغالي ومهاجم "ليفربول"، غادر الحياة عن عمر 28 عامًا، إثر حادث سير مأسوي في إسبانيا، وهو في ذروة عطائه وحلمه.
لا شيء أكثر قسوة من أن يرحل إنسان وهو في بداية مشواره، بعد أيام فقط من احتفاله بزفافه، وقبل أن تكتمل فرحته بالحياة. لكن القدر شاء أن يكتب نهاية القصة سريعًا، تاركًا خلفه ذكرى لاعب صنع الفارق، وإنسان أحبّه الجميع، وأب رحل قبل أن يُكمل رسالته.
حلم بدأ من الشوارع الضيقة ووصل إلى أشهر الملاعب
منذ خطواته الأولى في أكاديمية غوندومار، ظهر شغف جوتا باللعبة، وسرعان ما وجد طريقه إلى نادي "باكوش فيريرا"، حيث لفت الأنظار بموهبته. في 2016، انتقل إلى "أتلتيكو
مدريد" الإسباني، ومنها بدأت رحلته الأوروبية.
ورغم قلة الفرص في مدريد، لم يستسلم. إعارات إلى "بورتو" ثم "وولفرهامبتون" فتحت له أبواب التألق، قبل أن "يشتريه" النادي الإنكليزي بشكل دائم ويصبح أحد أبرز أسمائه.
لكن اللحظة الأهم كانت في أيلول 2020، عندما ارتدى قميص "ليفربول"، ليصبح جزءًا من تاريخ هذا النادي العريق، حيث خاض 182 مباراة سجل خلالها 65 هدفًا وقدم 26 تمريرة حاسمة، وساهم في التتويج بلقب الدوري الإنكليزي، كأس الاتحاد الإنكليزي، وكأس الرابطة.
فخر البرتغال... الحاضر في الأوقات الكبيرة
لم تكن موهبة جوتا مقتصرة على الأندية فقط، فقد مثّل البرتغال في جميع الفئات العمرية، وصولًا إلى المنتخب الأول، الذي دافع عن ألوانه في 49 مباراة، وسجل 14 هدفًا، وصنع 12 آخرين.
وكان جزءًا من الجيل الذي حمل كأس
دوري الأمم الأوروبية مرتين، آخرها الشهر الماضي حين دخل بديلاً في المباراة النهائية أمام إسبانيا، في آخر ظهور له بقميص "البحّارة"، وآخر مرة يسمع فيها نشيد الوطن الذي أحبه وخدمه.
الحادث الذي غيّر كل شيء
في إجازته الصيفية، كان جوتا يقضي أيامًا مع عائلته في إسبانيا، وبالقرب من زامورا، فقد السيطرة على سيارته، لتندلع النيران، وتنتهي معها حياته وحياة شقيقه أندريه، لاعب "بينافيل" البرتغالي.
مشهد السيارة المحترقة، والنيران المشتعلة، رسم ملامح الفقد بطريقة لا تحتاج إلى كلمات.
كرة القدم تودّع... والعالم ينعي
من رونالدو إلى ميسي، من "ليفربول" إلى "
ريال مدريد"، من جماهير الأندية إلى زملائه في المنتخب... الجميع كان هناك ليقول كلمة واحدة: "وداعًا جوتا".
كريستيانو رونالدو كتب: "كنا معًا منذ أيام، تزوجت للتو، واليوم أكتب عنك غائبًا... ستبقى في القلب دائمًا".
"نابولي"، "روما"، "إنتر"، "مانشستر يونايتد"، "
برشلونة"، رابطة الدوري
الإيطالي،
الاتحاد الأوروبي... كلهم اصطفوا ليقولوا وداعًا للاعب كان نموذجًا للأخلاق، والموهبة، والعطاء.
حتى ناديه السابق "بورتو" أعلن الحداد، ووقف ملعب أنفيلد في ليفربول صامتًا، بينما اكتفى النادي ببيان مقتضب احترم فيه خصوصية العائلة، التي تعيش أيامًا لا توصف بالحزن.
ليس مجرّد لاعب... بل زوج وأب وإنسان
وراء الملاعب، كان جوتا إنسانًا يشارك في الأعمال الخيرية، يدعم الأطفال، ويؤمن بأهمية الابتكار ومساعدة الشباب للوصول إلى أحلامهم.
وقبل أيام فقط، نشر صور زفافه، مع ابتسامة لا أحد كان يتوقع أنها ستكون الأخيرة.
وداعًا ديوغو... من ترك أثرًا لا يرحل أبدًا
قد تخبو الأضواء، وقد تسكت الهتافات، لكن أثر الإنسان الحقيقي لا ينطفئ. ديوغو جوتا، وإن رحل جسده، سيبقى صوته، ابتسامته، أهدافه، وأثره محفورًا في قلوب كل من عرفه، وشاهده، وأحبّه.
الحياة قد تكون قصيرة، لكنها حين تعاش بصدق، تبقى للأبد.