في مشهد يُلخّص حجم المأساة المستمرة في قطاع غزة، فقدت الرياضة الفلسطينية خلال شهر آب الماضي وحده 30 رياضيًا من مختلف الألعاب، بعدما طالتهم آلة الحرب الإسرائيلية في ظروف متفرقة، تراوحت بين القصف المباشر ومحاولات الحصول على الغذاء من مناطق المساعدات الإنسانية.
الأمين العام للاتحاد الفلسطيني للإعلام الرياضي مصطفى صيام، كشف عبر حسابه على "
فيسبوك"، أن شهر الماضي كان الأكثر دموية على الرياضيين منذ بداية عام 2025، وقال: "في شهر آب من عام 2025، ارتقت أرواح 30 رياضيًا، ليرتفع عدد شهداء الرياضة الفلسطينية والكشفية والشبابية إلى 778 شهيدًا منذ بدء حرب الإبادة على غزة في تشرين الأول 2023".
كرة القدم الأكثر خسارة
بحسب صيام، فإن كرة القدم وحدها خسرت 19 لاعبًا في آب، بينما استشهد اثنان من لاعبي كرة السلة ومثلهما من ألعاب القوى، إلى جانب رياضي واحد من كل من الكاراتيه، الدراجات، رفع الأثقال، البيسبول، المصارعة، كمال الأجسام، وكرة اليد.
وأضاف: "منذ اندلاع الحرب، فقدت كرة القدم الفلسطينية 373 لاعبًا، مقابل 263 لاعبًا من بقية الاتحادات، فيما ودعت الحركة الكشفية 142 شهيدًا".
أسماء هزّت العالم
الصدمة الكبرى جاءت برحيل
سليمان العبيد، الملقب بـ"بيليه فلسطين" وأحد أبرز نجوم المنتخب الوطني، بعدما استشهد خلال محاولته الحصول على المساعدات الغذائية في خان يونس. رحيله هزّ الوسط الرياضي العربي والدولي، إذ نعاه الأسطورة
الفرنسية إريك كانتونا بكلمات مؤثرة، بينما أثار نجم ليفربول المصري محمد صلاح جدلًا واسعًا بتساؤلاته عن الظروف التي دفعت لاعبًا بحجم العبيد إلى السقوط شهيدًا في طابور المساعدات.
ولم يتوقف نزيف الرياضة الفلسطينية عند ذلك الحد، إذ فقدت ألعاب القوى أحد أبرز وجوهها برحيل العدّاء علام العمور، في وقت يعاني فيه الرياضيون من حصار خانق وصل حدّ اضطرار لاعب الأهلي الفلسطيني حمادة صالح إلى عرض حذائه للبيع عبر منصات التواصل لتأمين قوت يومه.
كما شكل استشهاد لاعب منتخب فلسطين لكرة السلة
محمد الشعلان المعروف بلقب "الزلزال" وأحد أعمدة اللعبة، بعدما أصابته رصاصات الغدر الإسرائيلية في خان يونس بينما كان يقف في طابور المساعدات الإنسانية للحصول على الغذاء والدواء لابنته الصغيرة، صدمة موجعة أيضًا في أوساط الرياضة العربية والعالمية.
المواقف الدولية بين الشجب والخذلان
على وقع هذه المأساة، أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية أنها لن تحظر
إسرائيل من المشاركة في الألعاب الأولمبية والبارالمبية، مؤكدة في بيانها أنها "ملتزمة بالمساواة بين الفرق المشاركة"، رغم الأصوات المطالبة بقرارات رادعة، ومنها دعوة الاتحاد النرويجي لكرة القدم ورابطة مدربي إيطاليا لـ"فيفا" و"يويفا" لفرض عقوبات على إسرائيل.
كما أبدت عدّة أندية أوروبية رغبتها في تجنب مواجهة مكابي تل أبيب، فيما خرج لاعب الكريكيت الأسترالي عثمان خواجة مطالبًا بموقف دولي حاسم ضد الانتهاكات بحق الرياضيين
الفلسطينيين. ومع ذلك، ظل الموقف الرسمي الأولمبي والدولي أقرب إلى الصمت، تاركًا الرياضيين الفلسطينيين يواجهون مصيرهم وحدهم.
وبين سقوط سليمان العبيد وارتقاء علام العمور ورحيل "الزلزال"، وبين الأرقام الموجعة التي تلاحق كل لعبة في فلسطين، يتضح أن الرياضة لم تعد مجرّد منافسة أو وسيلة للترفيه في غزة، بل صارت مرآة لمعاناة شعب يواجه الإبادة بالجوع والقصف والحصار. وبينما يرفع
الفلسطينيون أسماء رياضييهم كشهداء في سجل الخلود، يبقى السؤال مطروحًا: متى يتحرّك العالم ليضع حدًا لمأساة تخطت الملاعب لتصيب قلب الإنسانية جمعاء؟