لم تعد الرياضة في
أوروبا مجرّد ساحة منافسة رياضية، بل تحولت إلى منبر سياسي وأخلاقي يختبر مواقف الدول والمنظمات الدولية. إسبانيا، التي اعترفت بدولة فلسطين في أيار 2024، عادت لتتصدر الواجهة مع دعوة رئيس وزرائها بيدرو سانشيز إلى استبعاد
إسرائيل من كل المسابقات الرياضية الدولية، في خطوة جريئة أثارت جدلا واسعًا في الأوساط السياسية والرياضية على حد سواء.
سباق إسبانيا.. نقطة البداية؟
تصاعدت حدة الجدل بعد أن شهد سباق إسبانيا للدراجات سلسلة احتجاجات واسعة ضد مشاركة فريق "إسرائيل–بريمر تيك". آلاف المتظاهرين انتشروا على طول المسار، ما أدى إلى تعطيل بعض المراحل وتهديد متسابقين بالانسحاب. ومع وصول السباق إلى العاصمة مدريد بعد 21 يومًا، اضطرت السلطات إلى نشر أكثر من ألف شرطي لتأمين المرحلة الأخيرة.
سانشيز استغل المشهد ليبعث برسالة واضحة: "لا مكان لإسرائيل في المنصات الرياضية ما دامت الوحشية في غزة مستمرة". ولم يتردد في عقد مقارنة مباشرة مع الحالة الروسية قائلا: "
روسيا استُبعدت بعد غزو
أوكرانيا، فلماذا لم تُستبعد إسرائيل بعد غزوها لغزة؟" مضيفًا أن على المنظمات الرياضية أن تواجه سؤالا أخلاقيًا لا يمكن الهروب منه.
هذا الموقف جاء انسجامًا مع سياسة مدريد الخارجية في الأشهر الأخيرة، إذ وضعت حكومة سانشيز فلسطين في صلب أولوياتها الدبلوماسية، سواء عبر الاعتراف الرسمي بالدولة
الفلسطينية أو من خلال تقييد الإمدادات العسكرية لإسرائيل.
هل من قرار حاسم؟
لكن، وعلى الرغم من هذا الزخم السياسي والشعبي، لا يزال القرار الحاسم بعيدًا. فمثلا اللجنة الأولمبية الدولية كانت قد أصدرت بيانًا سابقًا أكدت فيه أن كلّا من إسرائيل وفلسطين يتمتعان باعتراف دولي كامل وحقوق متساوية في المشاركة بالفعاليات الكبرى. واستشهدت بتجربة أولمبياد
باريس 2024، حيث تواجد رياضيو البلدين في قرية واحدة "من دون نزاع يُذكر"، في إشارة إلى تمسكها بروح "الحياد الرياضي".
غير أن هذه الروح لم تمنع من تصاعد موجة تضامن
رياضي متزايد مع
الفلسطينيين. فقد دعا الاتحاد النرويجي لكرة القدم ورابطة مدربي كرة القدم الإيطالية إلى إقصاء إسرائيل من المشاركات الدولية، بينما أعلنت عدة أندية أوروبية رغبتها بعدم مواجهة فريق مكابي تل أبيب، احتجاجًا على الانتهاكات الجارية في غزة.
إلى جانب ذلك، فإنّ المجاعة التي تضرب
قطاع غزة بسبب الحصار
الإسرائيلي، إضافة إلى القصف الذي أودى بحياة الآلاف ومن بينهم مئات الرياضيين الفلسطينيين، يجعل الدعوات لفرض عقوبات رياضية على إسرائيل أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
وبينما تصرّ إسبانيا على الدفع نحو عزل إسرائيل رياضيًا، ومع تصاعد الأصوات داخل الأندية والاتحادات الأوروبية، يبدو أن الرياضة تتحول تدريجيًا إلى ساحة اختبار أخلاقي عالمي. فهل تبقى المنظمات الدولية على حيادها التقليدي، أم تتكرر تجربة روسيا ليُفتح الباب أمام مقاطعة رياضية شاملة لإسرائيل؟ في كل الأحوال، أثبتت مدريد أن الرياضة لم تعد معزولة عن السياسة، بل غدت ساحة أخرى لمعركة الضمير الإنساني.