في أمسية احتفالية بدت كأنها استعادة لوهج الرياضة العربية، افتتحت الدوحة النسخة الجديدة من كأس العرب 2025، في مشهد جمع بين الرسالة الثقافية والتنظيم المتقن والرهان على عودة البطولة بحضور جماهيري واسع. فمنذ اللحظة الأولى، بدا واضحًا أن قطر أرادت للحدث أن يكون أكثر من مجرد افتتاح، بل استعراضًا لقدرتها على صناعة تجربة رياضية متكاملة، تعيد إلى الأذهان محطات بارزة صنعتها خلال العقد الأخير.
وعلى أرضية استاد البيت الذي غصّ بالمتفرجين، تداخلت الرموز التراثية مع العروض الفنية، وتنوعت الفقرات التي حملت توقيعًا عربيًا خالصًا، قادها الفنان السوري رشيد عساف. ومع تقديم المنتخبات العربية بخاصية النشيد الموحّد، اكتسب الحفل طابعًا مختلفًا عن النسخ السابقة، في محاولة لإضفاء هوية مشتركة تجمع 16 منتخبًا تحت مظلة واحدة.
ورغم الأجواء الاحتفالية، لم يخلُ اليوم الافتتاحي من إثارة مبكرة داخل المستطيل الأخضر، إذ جاء فوز المنتخب السوري على تونس ليشكّل أول علامة مفصلية في البطولة. فرغم أن أداء "نسور قرطاج" حمل بعض الوعود خلال الشوط الأول، فإن القراءة الخاطئة للخيارات الفنية بدت حاسمة في الشوط الثاني. اختيار مدرب تونس سامي
الطرابلسي الدفع بلاعبين يفتقدون الجاهزية البدنية، مثل ياسين مرياح وأسامة الحدادي، وضع الدفاع في موقف هش منذ البداية. إضافة إلى ذلك، بدا الإصرار على عمر العيوني ومعتز النفاتي رغم ضعف مردودهما قرارًا كلّف تونس الكثير، خاصة مع تراجع الفاعلية على الأطراف.
أما أكبر الأخطاء التكتيية فتمثّلت في التحول إلى خطة بثلاثة قلوب دفاع من دون انسجام مسبق، ما أسفر عن ارتباك واضح في التغطية وسهّل على
سوريا فرض نسقها. وبضربة ثابتة نفذها عمر خريبين ببراعة، حسمت سوريا اللقاء الأول، مُدخِلة تونس في حسابات معقّدة تتطلب تداركًا سريعًا قبل مواجهة
فلسطين ثم قطر.
وفي الوقت الذي أحبطت فيه تونس جماهيرها، قدّم المنتخب الفلسطيني واحدة من أبرز مفاجآت الجولة الأولى بفوز مستحق على قطر، جاء في الرمق الأخير بعد أداء تكتيكي محسوب. مدرب الفريق إيهاب أبو جزر قرأ المباراة بمنطق الانتظار الذكي، فاعتمد على صلابة دفاعية واضحة قبل استغلال المساحات التي تركها قطر مع تقدّم الدقائق. هدف الفوز الذي سجله سلطان البريك بالخطأ في مرماه لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة ضغط متأخر محسوب أدار به "الفدائي" الدقائق الأخيرة بحنكة عالية.
تصريحات أبو جزر بعد المباراة عكست وعيًا بخطورة المنافس وأهمية النتيجة، فاختصر الأداء بأنه "هدية للشعب الفلسطيني"، مؤكدًا أن الواقعية التكتيكية هي السلاح الأساس في البطولة. أما محمد صالح، المتوَّج بجائزة أفضل لاعب، فشدّد على الروح القتالية التي جسّدتها المجموعة، معتبرًا أن الفوز الأول قد يفتح الباب أمام مشاركة تاريخية إذا استمر الفريق بالحدة نفسها.
ومع نهاية اليوم الأول، بدت ملامح البطولة واضحة: تنظيم محكم يعيد قطر إلى واجهة الأحداث الكروية، افتتاح فني يرسّخ الهوية العربية، ومواجهات حملت منذ بدايتها ما يكفي من الدروس والانطباعات المبكرة. بطولة بدأت بزخم كبير، وصارت ملامحها تتشكل على وقع مفاجآت غير متوقعة، تُنبئ بنسخة تحمل الكثير من القصص داخل الملعب وخارجه.