في زمنٍ باتت فيه الحقيقة صعبة التمييز من الخيال، صدمت مقاطع فيديو إخبارية مزيفة، تم إنتاجها باستخدام الذكاء الاصطناعي، مستخدمي الإنترنت حول العالم، بعد أن بدت واقعية إلى حدٍ مخيف.
في أحد هذه المقاطع، يظهر مراسل "يُبشّر" بحرب مزعومة بين
كندا والولايات المتحدة من داخل استوديو تلفزيوني يبدو حقيقيًا بكل تفاصيله، قبل أن يُكشف لاحقًا أن كل شيء تم توليده باستخدام الذكاء الاصطناعي عبر أداة Google Veo 3. مقطع آخر، يظهر فيه مراسلة وسط "فيضان"، تعلن بعد مقدمة مقنعة: "أنا لست حقيقية، فقط أمزح!"، لتسبح سمكة قرش خلفها في لقطة سريالية.
هذه المشاهد، التي لا تتعدى ثواني قليلة، أثارت عاصفة من القلق على منصات التواصل الاجتماعي، إذ عبّر كثيرون عن خشيتهم من مستقبل تُمسخ فيه الحقيقة، وتُغذّى المجتمعات بأخبار اصطناعية يصعب كشف زيفها. أحد المعلقين كتب: "العالم أصبح أكثر رعبًا"، بينما رأى آخر أن "الجدات اللواتي يثقن بالأخبار التلفزيونية قد يقعن ضحية قريبًا".
لكن خلف الجانب الترفيهي
الظاهري، يكمن تهديد بالغ الخطورة: تآكل الثقة العامة في الأخبار، وتفاقم مشكلة التضليل الإعلامي، واحتمال تقويض وظائف آلاف العاملين في الحقل الصحافي حول العالم.
Veo 3: السلاح الجديد لصُناع الوهم؟
أداة Google Veo 3 ليست مجرد نموذج ذكاء اصطناعي قادر على توليد فيديو واقعي؛ بل باتت أيضًا تكتب السيناريو، تولّد الصوت، وتخلق شخصيات لا وجود لها في الواقع. وهذا ما يجعلها تتفوّق على سابقيها، ويجعل من التقارير الزائفة جزءًا من تحدٍ إعلامي وأخلاقي هائل.
من الناحية التقنية، يُنتج Veo مقاطع بجودة فائقة تمتد حتى 8 ثوانٍ، لكن ما يُثير الذعر أكثر من قدراته الفنية، هو غياب الضوابط حول كيفية استخدامه ومن يُسمح له بالوصول إليه. فبينما تؤكد "
غوغل" أنها تضع ضوابط ومعايير لاستخدام التقنية "بمسؤولية"، تبقى تلك المبادئ حبرًا على ورق ما لم تُطبّق فعليًا.
يشكّل الذكاء الاصطناعي تهديدًا مزدوجًا: من جهة، هو أداة قوية لإنتاج المحتوى وتعزيز الأداء الإعلامي، لكنه من جهة أخرى، قد يُستخدم كسلاح لتقويض الحقيقة ونشر التضليل. الصحافيون باتوا في مواجهة محتوى مُصطنع يُحاكي عملهم بدقة، فيما الجمهور يواجه خطر الغرق في سيل من المعلومات الزائفة التي يصعب التحقق منها.
في هذا السياق، كتب أحدهم على منصة "أكس": "
ماذا لو كانت الأخبار المُولّدة موجودة منذ التسعينيات؟ هل كنا سنعرف الفرق؟".
ربما نكون على أعتاب مرحلة جديدة لا تُحدد فيها الحقيقة بناءً على الدليل أو المصدر، بل على الثقة المسبقة أو الانحياز. ومع تنامي أدوات مثل Veo 3، لم يعد الأمر محصورًا بالأخبار الساخرة أو المقالب الرقمية، بل أصبح قضية تتعلّق بالأمن المعلوماتي والوعي الجمعي.
في النهاية، السؤال الذي يطرحه الجميع: هل سنتمكن مستقبلًا من تصديق ما نراه؟ أم أن الحقيقة، كما عرفناها، بدأت بالاندثار؟ (unilad)