منذ أن فرضت جائحة
كورونا العمل من المنزل كخيار واسع الانتشار، تبدّل سوق العمل جذريًا، ووجدت النساء أنفسهن أمام معادلة معقّدة تجمع بين مرونة مغرية وتحديات نفسية ومهنية لا يُستهان بها. فهل يعزّز العمل عن بُعد حضور المرأة وقدرتها على التنظيم، أم يحدّ من فرصها في التقدّم؟
مرونة تمنح الوقت… وتسرق الحدود
في البداية، قدّم العمل من المنزل مساحة أوسع لإدارة الوقت، إذ أظهرت استطلاعات مركز بيو للأبحاث شعور كثير من النساء بقدرة أكبر على الموازنة بين العمل والأسرة. غير أنّ هذه المرونة سرعان ما تحوّلت لدى بعضهن إلى عبء، مع تلاشي الحدود بين الحياة المهنية والخاصة وتزايد المهام المنزلية على حساب الإنتاجية.
ثمن العزلة المهنية
العمل عن بُعد قلّص الاحتكاك اليومي الذي يبني العلاقات المهنية ويعزّز الانتماء. ووفق تحليل هارفرد بيزنس ريفيو، يحدّ غياب الحضور الجسدي من فرص إبراز الكفاءة و"
الكاريزما المهنية"، ما يجعل التقدير أقل وضوحًا ويؤثر على المسار الوظيفي.
فجوة بين النساء والرجال
دراسة لجامعتي جامعة
شيفيلد وجامعة دورهام خلصت إلى أنّ النساء العاملات من المنزل يواجهن صعوبة أكبر في الفصل بين العمل والأسرة مقارنة بالرجال، بفعل توقعات الأدوار التقليدية. وترى الدراسة أن العمل عن بُعد قد يكون أداة تمكين حقيقية فقط إذا ترافق مع توزيع عادل للمهام المنزلية.
حماية نسبية من التمييز
في المقابل، أظهرت دراسة
جامعة تورنتو تراجعًا ملحوظًا في نسب التمييز ضد النساء العاملات عن بُعد مقارنة بالحضوريات، ما يشير إلى دور المكان في كبح سلوكيات تمييزية، مع بقاء العوائق الهيكلية قائمة.
الثقة والترقّي… معضلة الظهور
أبحاث الجمعية الأميركية لعلم النفس تحذّر من أن ضعف التفاعل الاجتماعي قد يقلّل الثقة بالنفس لدى بعض النساء. وفي السياق نفسه، تشير تقارير
ماكنزي آند كومباني إلى تراجع فرص ترقية العاملات عن بُعد، لأن قرارات كثيرة لا تزال تُبنى على الحضور والمشاركة اليومية.
العمل من المنزل ليس حلًا سحريًا ولا عبئًا مطلقًا. هو تجربة متعددة الأوجه تمنح النساء مرونة وتنظيمًا، لكنها قد تفرض عزلة وتحديات في الظهور والترقّي. النجاح هنا لا يرتبط بالمكان بقدر ما يتعلّق ببناء بيئة عادلة تشجّع التقدير الواضح، وتضمن توازن الأدوار، وتفتح مسارات متكافئة—سواء كان العمل من خلف شاشة أو داخل مكتب.