منذ بدء الحرب الأوكرانية قبل أكثر من 18 شهراً، تساءل الكثيرون لماذا شنت روسيا حرباً عدوانية أحادية الجانب على جارتها الغربية، ولماذا، على الرغم من الخسائر الفادحة التي مني بها في ساحة المعركة وسوء التقدير الاستراتيجي الكبير في الأشهر التي تلت ذلك، يواصل الكرملين الإصرار على هذه الجهود.
وبحسب صحيفة "The Hill" الأميركية، "يمكن العثور على الإجابة في سلسلة من الحسابات الخاطئة العميقة التي ارتكبها الكرملين في السنوات الأخيرة. أولا، أصبح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بمرور الوقت، مهووسا بشن وقيادة حملة عالمية ضد الغرب، كما فعل النظام الشيوعي في الاتحاد السوفييتي. وقد أثبتت محاولاته لاستمالة المؤسسات الديمقراطية ببساطة عدم توافقها مع رغبته في الحكم مدى الحياة، على الرغم من مرونة العديد من القادة الأوروبيين. لذا فقد أقنع الرئيس الروسي وأتباعه أنفسهم بأن الحرب الحضارية بين روسيا والغرب ضرورية ولا مفر منها. وفي نظرهم فإن الصراع الحالي من أجل أوكرانيا يمثل الخطوة الأولى في هذا المسعى".
ورأت الصحيفة أن "هذا المشروع قد فشل. ففي حين أن الكرملين كان يأمل من الناحية النظرية في حشد جبهة واسعة مناهضة للغرب لدعم جهوده، فقد واجه صعوبة عملية هائلة في القيام بهذه المهمة. ونتيجة لذلك، فقد اضطر إلى الاعتماد على المساعدة من حفنة من الدول المارقة مثل سوريا وإيران وكوريا الشمالية لمواصلة دعم جهوده الحربية".
وبحسب الصحيفة، "ثانياً، فشلت روسيا في إدراك التشدد الأخير في المواقف الغربية. لسنوات عديدة، نجحت موسكو في استخدام "سلاح الطاقة" والابتزاز النووي لترهيب الدول في الغرب، ولكن حتى قبل حرب أوكرانيا، بدأت المواقف الأوروبية تتغير مع إدراك المزيد والمزيد من صنّاع السياسات أنه يستحيل ارضاء الكرملين. لقد أدركوا أنه لم يعد من المفيد الخضوع للترهيب الروسي. ومنذ شباط 2022، ساعدت مقاومة أوكرانيا البطولية والثابتة للعدوان الروسي والصعوبات الهائلة التي واجهها الجيش الروسي فقط في تعزيز شعور القادة الغربيين بضرورة عدم الانسحاب بسبب تهديدات الكرملين".
وتابعت الصحيفة، "ثالثاً، كشفت خطط روسيا الرامية إلى الاستيلاء السريع والساحق على أوكرانيا عن سوء فهم عميق لمزاج الأوكرانيين أنفسهم. في الفترة التي سبقت الصراع، تمكن الرئيس الروسي من إقناع نفسه، وذلك بسبب الجهود الطويلة التي بذلتها حكومته لتخريب مجتمعهم، بأن الأوكرانيين بشكل عام لا يرون أنفسهم كدولة مستقلة، بل كمواطنين من جنوب روسيا، يحتاجون إلى إعادة الاتصال بالوطن الأم. وبذلك، كرر بوتين الخطأ الذي ارتكبه جنرالات الحركة البيضاء في الحقبة الثورية الروسية، فقد افترض أن جنوده سيقابلون بالزهور بدلاً من الرصاص. لذلك، لم تكن القوات الروسية مستعدة على الإطلاق لشراسة ومقاومة الجيش الأوكراني".
وأضافت الصحيفة، "رابعاً، لم يكن لدى بوتين فهم دقيق للوضع الحقيقي لجيشه. فبعد سنوات من الدعاية، والاستعراضات المبهرجة، والتصريحات الوردية من جانب جنرالاته، ظن الرئيس الروسي أن بلاده تمتلك جيشاً من الطراز الأول، قادراً على شن صراع قاري والفوز به. لقد أظهر الأداء الفعلي للجيش الروسي في ساحة المعركة الأوكرانية شيئًا مختلفًا تمامًا، سواء بالنسبة للروس أو لبقية العالم".
وتابعت الصحيفة، "وأخيرا، لم يكن لدى بوتين فهم للحالة الحقيقية للاقتصاد الروسي، فبعد أن اعتمدت لفترة طويلة على التجارة مع أوروبا، لم تكن موسكو مستعدة للعزلة الاقتصادية المفاجئة والواسعة النطاق التي نتجت عن حربها على أوكرانيا. وحتى الآن، يشيد المسؤولون الروس علناً بقدرة القطاع الاقتصادي الروسي على الصمود ويقللون من تأثير الضغوط المالية والتكنولوجية الغربية. ولكن تهديدهم يخفي حقيقة أكثر واقعية: فالعقوبات الغربية بدأت الآن فقط في إحداث تأثيرها، ولكنها أثرت بالفعل على الاقتصاد الروسي بشكل عميق وسوف تستمر في هذا الأمر".
وبحسب الصحيفة، "كل هذا يترك روسيا أمام خيارات قليلة ثمينة. فبعد عزل الغرب بشكل عميق، تواجه البلاد الآن مستقبلا من العزلة العميقة أو حتى التبعية للصين. فعلى الرغم من الشراكة "بلا حدود" بين بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ، ينظر الصينيون إلى روسيا باعتبارها دولة تواجه مشكلة كبيرة، أو حتى دولة تابعة. نحن نشهد بالفعل العواقب العملية لهذه الشراكة غير المتكافئة، حيث تحل بكين محل موسكو باعتبارها القوة المهيمنة في مجال النفوذ الروسي التقليدي في آسيا الوسطى والقوقاز وتخلق مسارات جديدة إلى أوروبا، متجاوزة روسيا. ومن المرجح أن يتسارع هذا الاتجاه مع تزايد وضوح التأثيرات المترتبة على حسابات بوتين الخاطئة الكارثية".
وختمت الصحيفة، "رغم كل ذلك فإن انهيار روسيا ليس حتميا، فالتاريخ يعلمنا أن كل زعيم روسي ينتهي به الأمر إلى تبني سياسات معاكسة لسياسات سلفه. وبالتالي، فرغم أن بوتين ربما وضع البلاد على طريق الخراب، فإن خليفته ربما سيصحح المسار بمجرد خروج بوتين من الصورة، وهذا يعني مستقبلاً أكثر إشراقاً لروسيا وللجميع".