سيتطلب التأثير الطويل الأمد الذي تخلفه حرب إسرائيل في غزة على النظام الجيوسياسي والبنية الأمنية في الشرق الأوسط المزيد من الوقت حتى يتحقق بشكل كامل. ولكن أحد الأسئلة الأكثر إلحاحاً التي يثيرها هو ما هو التأثير، إن وجد، الذي قد يخلفه ذلك على الانفراج الإيراني السعودي الذي لا يزال في مراحله الأولى؟
وبحسب موقع "Responsible Statecraft" الأميركي، "هناك روايتان رئيسيتان حول آثار الحملة العسكرية الإسرائيلية على العلاقات بين طهران والرياض. الأولى، هي أن عملية طوفان الأقصى الوحشية التي نفذتها حماس، وسلوك الجهات الفاعلة الأخرى المدعومة من إيران في المنطقة، مثل حزب الله في لبنان والمجموعات الشيعية العراقية، تعمل على تفاقم مخاوف المملكة العربية السعودية بشأن سلوك طهران وطموحاتها في الشرق الأوسط. أما الثانية فهي أن التضامن الإسلامي الشامل يعمل الآن على التقريب بين الجمهورية الإسلامية والمملكة، حيث تدعو الحكومتان إلى وقف فوري لإطلاق النار، وتدينان الدمار غير المسبوق الذي ألحقته الحملة العسكرية الإسرائيلية بسكان غزة والبنية التحتية في القطاع، وتعلنان تصميمهما على الحفاظ على السلام والاستقرار في الخليج الفارسي".
وتابع الموقع، "في نهاية المطاف، هناك حقيقة في كلا الروايتين. وعلى الرغم من أن إيران والمملكة العربية السعودية تشتركان في بعض المخاوف بشأن أزمة غزة، إلا أن الرياض تشعر بالقلق أيضًا بشأن قدرة طهران على استغلال هذا الصراع بطرق يمكن أن تضر بالمملكة وجيرانها العرب. ويعتقد عزيز الغشيان، زميل في جامعة لانكستر، أن حرب إسرائيل على غزة لن يكون لها بالضرورة تأثير كبير على العلاقات الإيرانية السعودية، لكنه يعتقد أن ذلك سيضع المملكة في "حالة من التخفيف من الضرر" في مواجهة الانتهازية الإيرانية. وبينما تنظر القيادة السعودية إلى كل من إيران وإسرائيل على أنهما يساهمان في الاضطرابات في المنطقة، قال الغشيان إن الرياض تتفهم تمامًا المدى الذي ستحاول فيه طهران الاستفادة من الرد الإسرائيلي المدمر على 7 تشرين الأول".
وأضاف الموقع، "قال الغشيان: "السعودية لديها مخاوفها بشأن الانتهازية الإيرانية وتعتقد أن إيران لا تساهم في الاستقرار في المنطقة. وهذا هو أكبر مصدر قلق أمني للسعوديين. وفي الوقت نفسه، تدرك السعودية أن الاحتلال الإسرائيلي وحملة القصف العشوائية التي يشنها على غزة يشكلان جزءاً لا يتجزأ من حالة عدم الاستقرار الإقليمي. وفي حين قد يكون لدى السعودية مخاوف، إلا أنني لا أرى أن التوتر السعودي الإيراني يمتد خارج حدود الدبلوماسية والمفاوضات"."
ورأى الموقع أنه "من المهم أن ندرك أنه على الرغم من رغبة كل من إيران والمملكة العربية السعودية في تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة، فإنهما تسعيان إلى تحقيق أهداف متباينة لفترة "اليوم التالي"، وخاصة في ما يتعلق بحكم ما بعد الحرب في القطاع المحاصر منذ فترة طويلة. إن أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل كلا البلدين يهدفان إلى وقف إطلاق النار يتعلق بالوضع الاقتصادي في كل من إيران والمملكة العربية السعودية. ومع استمرار معاناة السكان في ظل العقوبات، يشعر المسؤولون في طهران بالقلق بشأن الكيفية التي يمكن أن يؤدي بها امتداد حرب غزة المحتمل إلى أجزاء أخرى من الشرق الأوسط إلى الإضرار بالاقتصاد الإيراني. ولدى المملكة مخاوفها الخاصة بشأن ما يمكن أن تعنيه الأزمة في فلسطين بالنسبة لرؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، خاصة بالنظر إلى مدى تأثر منطقة غرب البحر الأحمر، حيث تقع العديد من مشاريع التنويع الاقتصادي للمملكة، بانتشار الحرب وتدويلها".
وبحسب الموقع، "باعتبارهما دولتين رئيسيتين ذات أغلبية مسلمة تسعى كل من إيران والمملكة إلى الاضطلاع بأدوار قيادية في العالم الإسلامي الأوسع. وفي 11 تشرين الأول، أجرى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وبن سلمان أول محادثة هاتفية بينهما منذ توقيع اتفاقية إعادة التطبيع قبل سبعة أشهر في بكين. ووفقاً لمحمد جمشيدي، مساعد الرئيس الإيراني للشؤون السياسية، فقد تناول الزعيمان "ضرورة إنهاء جرائم الحرب ضد فلسطين"، والوحدة الإسلامية، ودعم واشنطن لتصرفات إسرائيل في غزة. علاوة على ذلك، كان حضور رئيسي للقمة الطارئة المشتركة بين جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بشأن غزة، التي عقدت في الرياض في 11 تشرين الثاني، هي المرة الأولى التي يزور فيها رئيس إيراني المملكة منذ أن مثل محمود أحمدي نجاد بلاده في قمة منظمة التعاون الإسلامي في المدينة المنورة في آب 2012".
وتابع الموقع، "قال طلال أحمد، وهو أستاذ في جامعة أوكسفورد: "كانت زيارة رئيسي إلى المملكة العربية السعودية حاسمة بالنسبة لإيران، بما يتماشى مع تركيزها الاستراتيجي على فلسطين وسعيها إلى القيادة الإقليمية والإسلامية". وأضاف: "لقد أتاح الصراع في غزة فرصة لإيران للقيام بالخطوة الأولى دبلوماسيا، كما وسمح لطهران بالتغلب على معضلة "من يزور أولاً"." وتابع قائلاً: "تم تأطير الزيارة على أنها محاولة للوحدة الإسلامية والتضامن مع القضية الفلسطينية. كما سمح لإيران بأن تبرز بين المندوبين من خلال اقتراح خطة من عشر نقاط، على الرغم من أن اقتراحاتها لم تكن مدرجة في البيان الختامي للقمة"."
وأضاف الموقع، "منذ 7 تشرين الأول، أصبحت المملكة العربية السعودية نقطة مركزية في الأجندة الدبلوماسية للجمهورية الإسلامية، وفقًا لحميد رضا عزيزي، وهو زميل زائر في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين. وقال: "خلال هذه الفترة، تواصل وزير الخارجية الإيراني باستمرار مع نظرائه العرب، بما في ذلك وزير الخارجية السعودي"، سعياً لتحقيق هدفين رئيسيين. وقال إن الأول هو تعزيز الانفراج الإيراني السعودي، والثاني هو إقناع الرياض بالتخلي عن أي تفكير في ضم المملكة إلى اتفاقيات إبراهيم. وكما قال عزيزي للموقع، فإن جهود إيران لإقامة نظام إقليمي إسلامي قائم على التضامن الإيراني العربي الذي يعزل إسرائيل لم تسفر عن النتائج التي تريدها طهران. ومع ذلك، ليس هناك من ينكر أن المذبحة في غزة أدت إلى زيادة المشاركة بين الدبلوماسيين الإيرانيين والسعوديين، فضلاً عن الاجتماعات الرفيعة المستوى التي جمعت كبار المسؤولين في كل من البلدين".
وختم الموقع، "بمرور الوقت، يمكن أن يساعد هذا المستوى العالي من الدبلوماسية بين طهران والرياض في قيادة البلدين نحو فهم أفضل للآخر".