Advertisement

عربي-دولي

العرب في مناطق "قسد".. أكثرية صامتة أم مغيَّبة؟

Lebanon 24
07-06-2025 | 10:00
A-
A+
Doc-P-1371781-638849082834936158.png
Doc-P-1371781-638849082834936158.png photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
كتبت الجزيرة.نت: في الوقت الذي تخوض فيه "قوات سوريا الديمقراطية" "قسد" مفاوضات متقدمة مع حكومة الرئيس أحمد الشرع في دمشق، يغيب الصوت العربي بوضوح عن طاولة النقاش، رغم أن العرب يشكّلون الغالبية السكانية في مناطق سيطرة "قسد"، وأكثر من 70% من عناصرها العسكرية، وفق تقديرات محلية ودولية.
Advertisement

هذا الغياب لم يكن طارئا، بل هو امتداد لحالة تهميش سياسي وإداري ممنهج طغت على علاقة "قسد" بالمكون العربي منذ تأسيسها بدعم الولايات المتحدة عام 2013، حسب شخصيات عربية.

ولم يترجم الوجود العددي الكبير للعرب إلى شراكة حقيقية في مراكز القرار أو في صياغة السياسات، لا داخل الهياكل القيادية لـ"قسد"، ولا ضمن المؤسسات المدنية التابعة لها.

ومع ارتفاع نبرة الصوت الكردي بعد سقوط النظام ومطالبته بحكم فدرالي أو لا مركزي موسع من جهة، ودخول قسد -بمظلتها العسكرية والسياسية- مرحلة جديدة من التفاوض مع الدولة السورية من جهة ثانية، يبرز تساؤل ملح: ما سبب غياب العرب في المفاوضات والترتيبات المقبلة؟ وهل تفتح التطورات الباب أمام تغيير في واقع التهميش المستمر منذ سنوات؟

أين وصلت المفاوضات بين دمشق وقسد؟

بعد مرور نحو 3 أشهر على توقيع اتفاق العاشر من آذار بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي، دخلت المفاوضات بين الطرفين مرحلة جديدة تتسم بالهدوء السياسي ومحاولات محدودة على الأرض لتنفيذ مضامين الاتفاق.

وفي اجتماع رسمي عقد بدمشق مطلع حزيران الجاري، أكد رئيس اللجنة المختصة بتنفيذ الاتفاق العميد زياد العايش -في تصريحات صحفية- التوصل إلى تفاهمات أولية حول ملفات التعليم، وعودة المهجرين، وتفعيل اتفاقات محلية في حيي الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب، مشيرا إلى التزام الطرفين بالحوار البنّاء.

لكن هذه الأجواء التفاؤلية لا تعكس -حسب الباحث الكردي علي تمي المطلع على المفاوضات بين الطرفين- حقيقة ما يجري خلف الكواليس، ويرى أن "قسد تمارس سياسة شد وجذب، وتستثمر الوقت في إعادة ترتيب أوراقها ميدانيا"، مشيرا إلى وصول المئات من كوادر قنديل (حزب العمال الكردستاني) إلى الحسكة، إضافة إلى عناصر أمنية من النظام السابق، وهو ما اعتبره "تحضيرا محتملا لصدام مستقبلي".

ويشكك الباحث تمي -في حديثه للجزيرة نت- في إمكانية تنفيذ البنود الجوهرية من الاتفاق، مثل تسليم سد تشرين أو إطلاق سراح الأسرى، ويعتبر أن "قسد تستخدم لغة التفاهم لكسب الوقت فقط، بانتظار انقضاء المرحلة الانتقالية، حيث ستسعى لإيجاد ثغرات للانقلاب على التفاهمات".

وبينما تصرّ دمشق على "وحدة المؤسسات" وتحذّر من أي صيغة فدرالية، يتمسك عبدي بـ"ضمانات دستورية" قبل تنفيذ الدمج الكامل، مما يجعل الاتفاق الحالي إطارا هشا لإدارة الخلاف، أكثر من كونه أساسا لحل دائم.

الصوت العربي بين الغياب والتغييب

في خضم التحولات السياسية والعسكرية في سوريا عامة، وفي مناطق شمال شرقي سوريا خاصة، تبدو الغالبية العربية في هذه المناطق وكأنها غائبة عن المشهد، رغم أنها تشكل الغالبية الديمغرافية والقتالية لقوات سوريا الديمقراطية.

وبينما يتفاوض الأكراد باسم "قسد"، ويؤكدون تمسكهم بـ"الضمانات الدستورية"، و"الحكم اللامركزي"، لا يسمع صوت مماثل أو معارض لتوجه قسد في تلك المناطق، رغم اقتصار الوجود الكردي المركز على منطقة الحسكة وريفها، وخلو محافظة دير الزور منه، مع وجود محدود في الرقة، وهي المحافظات الثلاث الخاضعة لسيطرة "قسد".

وعن أسباب غياب هذا الدور، يقول الباحث المتخصص بشؤون منطقة الجزيرة السورية، مهند الكاطع، إن هناك سببا واحدا للصمت العربي داخل مناطق سيطرة قسد، وهو "الوحشية التي تتعامل بها قسد مع المدنيين في مناطق سيطرتها، خاصة مع من يعارض سياساتها".

ويرى الكاطع -في حديثه للجزيرة نت- أن "مليشيات قسد ترتكب جرائم وانتهاكات في السجون لا تقل فظاعة عما كان يرتكبه النظام في سجون صيدنايا، فهناك عمليات اغتيال وقتل وتعذيب بدون رقيب أو حسيب، ويضاف إلى ذلك وجود شبكة الجواسيس والمخبرين الذين جندتهم قسد، مما جعل من الصعب القيام بأي عمل منظم داخل تلك المناطق".

قسد وتفتيت الأغلبية العربية

رغم حديثها المتكرر عن تمثيل كل المكونات، فإن قوات "قسد" اتبعت منذ بدء سيطرتها على مناطق شرق الفرات نهجا للهيمنة على المكون العربي وتفكيك بنيته الاجتماعية والسياسية، في عملية مدروسة، حسب شخصيات عشائرية وتقارير حقوقية، لتهميش الأغلبية السكانية عبر مزيج من القمع العسكري، والسيطرة على الموارد، واختراق البنى القبلية، وهو ما أدّى إلى تغييب أي تمثيل حقيقي للعرب.

في هذا السياق، يقول الشيخ مضر حماد الأسعد، رئيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية، إن "قسد فرضت نفسها بالقوة العسكرية عن طريق الترهيب والترغيب، فاستغلّت المال لإغراء بعض شيوخ القبائل، وقدّمت لهم الدعم السياسي والاجتماعي، بينما عمدت إلى تحييد الآخرين، مما تسبب بشرخ اجتماعي كبير داخل المجتمع العربي".

ويتابع الأسعد -في حديثه للجزيرة نت- أن الدعم الخارجي (من الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران) وفر لـ"قسد" غطاء سياسيا وعسكريا مكّنها من الاستيلاء على النفط والغاز والثروات الزراعية والحيوانية، وتنفيذ حملات تجنيد قسري، شملت خطف القاصرات وتجنيد الأطفال.

وتتقاطع شهادة الأسعد مع ما ورد في تقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش في كانون الثاني 2025، وثّق استمرار "قسد" في اعتقال النشطاء السياسيين وتجنيد الأطفال لأغراض عسكرية، رغم تعهداتها بوقف هذه الممارسات.

كما أشار التقرير إلى تصاعد التوترات في شرق محافظة دير الزور، حيث نفذت "قسد" مداهمات أمنية أسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين.

من ناحيته، يؤكد الباحث في شؤون الشرق السوري، سامر الأحمد، أن "قسد تمارس تضييقا أمنيا ممنهجا ضد شخصيات عربية مؤثرة، من وجهاء العشائر إلى النشطاء المستقلين، إذ تعرض كثير من هؤلاء للاعتقال أو التهديد بسبب موقف مغاير لخطاب قسد الرسمي".

وقد أدّى هذا -حسب حديث الأحمد للجزيرة نت- إلى فرض هيمنة أمنية خانقة وإقصاء المكونات المحلية عن إدارة مناطقهم، مما خلق بيئة من الخوف والانكفاء، دفعت بكثيرين إلى الصمت أو الهجرة أو الانسحاب من الحياة العامة.

شهدت مناطق الجزيرة السورية احتفالات واسعة عقب توقيع اتفاق العاشر من آذار بين الرئيس أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي، الذي شكل بارقة أمل لانطلاق مرحلة جديدة تعزز من حضور الأغلبية العربية في شرق البلاد، وأن يكون للعرب صوت مسموع ودور فعال في إدارة مناطقهم بعد سنوات من الإقصاء والتهميش.

ومع مرور الوقت، بدأ العرب يتلمسون تزايد فرص المشاركة السياسية والاجتماعية، رغم التحديات الداخلية واختلاف المواقف بين الشخصيات العشائرية المستفيدة من الوضع الراهن والقطاعات التي تطالب بتمثيل أوسع وأكثر شفافية، ليصبحوا فاعلين في رسم مستقبل مناطقهم ضمن سوريا الجديدة.

ولم يعد الحراك العربي المعارض لهيمنة "قسد" محصورا داخل مناطق شرق الفرات، بل امتد إلى خارجها، حيث بدأت تتشكل تجمعات وتيارات سياسية تمثل أبناء الجزيرة والفرات، تعبّر بوضوح عن رفضها سياسات "قسد" ومشروعها الانفصالي، وتعلن دعمها الصريح للدولة السورية الجديدة، وفق ما أفاد به الباحث مهند الكاطع للجزيرة نت.

ومن أبرز هذه التشكيلات تجمع أبناء الجزيرة (تاج)، وحركة دحر، وحركة الثامن من كانون الأول في دير الزور، وتجمع أبناء الرقة، وتجمع أبناء دير الزور (تآزر)، وتجمع الشرق، إضافة إلى عدد من اللقاءات والفعاليات التي تطالب بإنهاء مظاهر التفرد والتهميش، وبسط سلطة الدولة على كامل الجغرافيا السورية.
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك