في اللحظة التي كان رئيس حكومة
الاحتلال بنيامين نتنياهو يستعدّ فيها لعرض أوراقه السياسية في
واشنطن، جاء الرد من غزة بلغة مختلفة تماماً. إذ إنّ الهجوم الذي نفذته
المقاومة في "بيت حانون" لم يُقرأ كتحرّك ميداني محدود، بل كرسالة سياسية دقيقة التوقيت، استهدفت مضمون الزيارة
الإسرائيلية قبل أن تستهدف جنوداً على الأرض.
وفي حين كانت
المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تتحدث عن تحصين
الجبهة الشمالية، وتروّج للسيطرة على ما يعرف بالمنطقة العازلة، جاءت العملية من داخل هذه المنطقة بالذات، ما اعتبرته مصادر متابعة تكذيباً مباشراً لكل ما أُعلن سابقاً. وبحسب التقديرات، فإن ما جرى لا يُفهم إلا ضمن سياق متصاعد من العمليات، توالت منذ "خانيونس"، ما يعكس أن المقاومة ما زالت تحتفظ بموقع المبادرة، ولا تنتظر نهاية المسار التفاوضي لتعيد رسم قواعد الاشتباك.
في السياق ذاته، لم تفلح التكنولوجيا التي استعرضها الجيش
الإسرائيلي في كشف التحرّك أو إحباطه، رغم نشر عربات مراقبة وأنظمة متطورة على امتداد الحدود. وترى مصادر متابعة أن هذا الإخفاق لا يُعزى فقط إلى عطب تقني، بل إلى خلل أعمق في الفرضيات الميدانية التي بُنيت عليها خطة التمركز شمال القطاع.
العملية، بحسب المصادر نفسها، ضربت في توقيت كانت فيه
تل أبيب تروّج لاحتمال استعادة عدد من الأسرى عبر صفقة محتملة، لكنها استُقبلت ميدانياً بسيناريو معاكس. فالخسارة على الأرض في هذه اللحظة بالتحديد لا تُربك الحسابات الأمنية فقط، بل تهزّ الرواية التي أرادت الحكومة تصديرها في واشنطن، ما يعكس اختلالاً في التوازن بين المسارين السياسي والميداني.
وفي هذا السياق، تلفت المصادر إلى أن معادلة "قتلى مقابل أسرى" قد تترك أثراً مباشراً على
الجبهة الداخلية الإسرائيلية، إذ إن سقوط قتلى في لحظة يُفترض أن تكون تفاوضية يُربك الرأي العام، ويعيد خلط أوراق الخطاب الرسمي. فالصدمة الميدانية بهذا التوقيت تعاكس كلّ ما كانت الحكومة تحاول تثبيته من استقرار وهمي.
من جهة أخرى، تزامنت العملية مع تصاعد التوتر داخل القيادة الإسرائيلية، في ظل تباين المواقف بين المؤسسة العسكرية ورئيس الحكومة، وظهور مؤشرات على فجوة متزايدة بين
رئيس الأركان من جهة، ونتنياهو ومعه بعض مكونات الكابينت من جهة أخرى. وتشير المصادر إلى أن هذا المناخ المضطرب داخل دوائر القرار يزيد من هشاشة الموقف الإسرائيلي، ويمنح المقاومة هامشاً أوسع للمناورة في لحظات حرجة.
ما حدث في "بيت حانون" لم يكن اختراقاً أمنياً فحسب، بل رسالة حادة مفادها أنّ المقاومة لا تزال قادرة على مفاجأة العدوّ في اللحظة التي يعتقد فيها أنه يمسك بخيوط اللعبة. المعركة لم تُحسم، والمقاومة ما زالت تملك مفاجآتها، والاحتلال أمام أزمة مركّبة تتّسع حدودها يوماً بعد يوم.