ذكر موقع "Responsible Statecraft" الأميركي أن "على مدى نصف قرن، شكّلت الحدود بين
إسرائيل وسوريا في مرتفعات الجولان نموذجًا للاستقرار العدائي. سكتت المدافع، لكن ساد عداءٌ متأصل، تخلّلته محاولات دبلوماسية متكررة وفاشلة. والآن، بعد الانهيار المفاجئ لنظام بشار
الأسد في كانون الأول 2024 والحرب التي استمرت 12 يوما بين إسرائيل وإيران والتي عززت الهيمنة العسكرية
الإسرائيلية في المنطقة، بدأ الجليد الجيوسياسي يتشقق".
وبحسب الموقع، "في تطور للأحداث كان من غير الممكن تصوره قبل عام، تجري إسرائيل وسوريا "محادثات متقدمة" لإنهاء الأعمال العدائية. وتشير التقارير الآن إلى أنه يجري التخطيط لعقد قمة في
البيت الأبيض في وقت مبكر من شهر أيلول، حيث من المقرر أن يوقع الرئيس السوري أحمد
الشرع ورئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتفاقية أمنية، مما يمهد الطريق للتطبيع. ولكن هذا لا يشير إلى للمحبة الأخوية، بل هو عرض للسياسة الواقعية، وزواج متسرع بين إسرائيل المنتصرة وسوريا البائسة، حيث تلعب
واشنطن دور الراعي".
وتابع الموقع، "العريس هو أحمد الشرع، الرئيس السوري الجديد، وهو قائد جهادي سابق استبدل زيه العسكري ببدلة رسمية. تولى الشرع السلطة قبل ستة أشهر فقط، وهو يرأس حكومة انتقالية شُكِّلت من أنقاض حرب أهلية دامت 14 عامًا، وتضم في معظمها عناصر من قوته القتالية السابقة، هيئة تحرير الشام. وهو يحكم بلدًا في حالة خراب، ويحتاج بشدة إلى الإغاثة الاقتصادية والاستراحة من الصراع. أما الطرف الآخر في هذا "الزواج" غير المتوقع هو إسرائيل الجريئة، والتي خرجت للتو من عملية عسكرية ضد
إيران وصفها المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون بأنها عرض مذهل للهيمنة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية. ورغم أن الضرر الذي لحق بالبرنامج النووي
الإيراني شديد ولكن "ليس كليا"، وفقا لرافائيل جروسي، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن النجاح الملحوظ للحملة شجع إسرائيل، التي تسعى جاهدة إلى الضغط لتحقيق ميزتها الاستراتيجية الجديدة. ويتحدث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن "احتمالات إقليمية واسعة"، وتدفع حكومته بقوة نحو توسيع اتفاقيات إبراهيم في أعقاب ذلك".
وأضاف الموقع، "في 30 حزيران، أعلن
وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر: "لدينا مصلحة في إضافة دول مثل
سوريا ولبنان... إلى دائرة السلام والتطبيع". بالنسبة لإسرائيل، فإن ضم سوريا إلى صفوفها سيكون بمثابة الجائزة الاستراتيجية النهائية. لقد كانت تصرفات إسرائيل منذ سقوط سلالة الأسد في كانون الأول 2024 بمثابة عرض وحشي لديناميكية القوة الجديدة. ولم تكتف القوات الإسرائيلية بقصف ما تبقى من البنية التحتية العسكرية
السورية، بل انتقلت أيضاً إلى المنطقة المنزوعة السلاح التي تحرسها
الأمم المتحدة، واستولت على أراض جديدة في عمق سوريا، بما في ذلك قمة جبل الشيخ الاستراتيجية، المطلة على دمشق".
وبحسب الموقع، "قد يأتي الاتفاق المحتمل مصحوبا بمهر كبير يدفعه السوريون بالكامل. وبحسب تصريحات مسؤولين إسرائيليين، فإن الثمن هو مرتفعات الجولان، وهي هضبة استراتيجية من الأراضي السورية المعترف بها دوليا، احتلتها إسرائيل إلى حد كبير في عام 1967. ورغم أن "المحادثات الهادئة" بين إسرائيل وسوريا محاطة بالسرية التامة، فإن إسرائيل أوضحت موقفها بشأن مرتفعات الجولان علناً، حيث صرح ساعر بأنها "ستظل جزءاً من دولة إسرائيل"، وأعلن نتنياهو أنها ستظل جزءاً من إسرائيل "إلى الأبد". إن التنازل السوري عن مرتفعات الجولان لإسرائيل من شأنه أن يحطم مبدأ "الأرض مقابل السلام" المنصوص عليه في قرار
مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242. إن سابقة "وديعة رابين"، أي الالتزام المزعوم من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحاق رابين خلال المفاوضات التي توسطت فيها
الولايات المتحدة في منتصف تسعينيات القرن العشرين بانسحاب إسرائيلي كامل من مرتفعات الجولان في مقابل التطبيع الكامل، شكلت على مدى عقود من الزمن معياراً للتوقعات السورية، وهو المعيار الذي تقلبه إسرائيل الآن بمطالبها ببقاء الجولان تحت سيطرتها".
وتابع الموقع، "ينظر كثير من السوريين إلى أي اتفاق مع إسرائيل بسخرية. بالنسبة للعديد منهم، بغض النظر عن طائفتهم، فإن إسرائيل لا تقدم عرض سلام بل تستغل ضعف بلادهم لإضفاء الطابع الرسمي على الاستيلاء على الأراضي. وعلاوة على ذلك، فإن القضية
الفلسطينية الأساسية، والتي كانت السبب الأصلي للصراع الذي دام عقوداً من الزمن، لا تزال دون حل على الإطلاق، في حين يبدو احتمال حل الدولتين أكثر بعداً من أي وقت مضى. بالنسبة لدمشق المفلسة والمتضررة، فإن الصفقة لا تتعلق بما ستقدمه إسرائيل، بل بما ستتوقف في النهاية عن أخذه".
وبحسب الموقع، "إن الجائزة المحتملة لسوريا هي ذات شقين: إنهاء الضربات الجوية المتواصلة وانسحاب القوات الإسرائيلية من المنطقة العازلة التي حددتها الأمم المتحدة والتي استولت عليها بعد عام 2024. ولكن نظراً لاختلال التوازن القوى، فإن هذه ليست مطالب سورية بل تنازلات إسرائيلية محتملة. وفي نهاية المطاف، فإن الاتفاق الحتمي بين سوريا وإسرائيل لن يكون بمثابة شراكة بين طرفين متساويين، بل سيكون بمثابة معاملة تمليها حسابات القوة الجديدة، التي تميل بشكل كبير لصالح إسرائيل. والسؤال الحقيقي الوحيد هو طبيعة الاستقبال الذي سيعقب ذلك: هل سيكون احتفالاً كبيراً بالتطبيع الكامل على حديقة البيت الأبيض كما ترغب الولايات المتحدة وإسرائيل، أم هدنة أكثر تحفظاً وقابلة للقبول سياسياً والتي تحتاج إليها دمشق بشدة؟"