Advertisement

خاص

نتنياهو بين جنون العظمة والمجازر: إلى أين يقود المنطقة؟

بولين أبو شقرا - Pauline Abou Chakra

|
Lebanon 24
26-09-2025 | 06:00
A-
A+
Doc-P-1421740-638944814406397486.png
Doc-P-1421740-638944814406397486.png photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
في أكثر المراحل خطورة في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر، يتصرّف رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو كرجل يعتقد أنّه يمسك بخيوط المنطقة كلّها. موجة المجازر اليومية، من غزّة إلى الضاحية الجنوبية والجنوب، لم تعد أحداثًا متفرقة بل سياسة مكرسة تخدم مشروعًا سياسياً أكبر. خلف هذه الجرائم، يطلّ جنون العظمة في أبهى صوره: زعيم إسرائيلي يرى نفسه "المنقذ التاريخي" القادر على إعادة رسم الجغرافيا والسياسة بالقوة العارية، مهما كانت الكلفة الإنسانية.
Advertisement

جنون العظمة… سياسة ممنهجة
منذ عودته الأخيرة إلى رئاسة الحكومة، يسعى نتنياهو إلى تثبيت نفسه كـ"قائد لا غنى عنه". إنه يستحضر سردية الأمن الوجودي، ويقدّمها كمبرر لكلّ خطوة: من توسعة المستوطنات إلى تكثيف الغارات على لبنان وغزّة، وصولًا إلى عمليات اغتيال وتهجير جماعي. هذه العقلية ليست انفعالاً، بل استراتيجية مدروسة تقوم على افتعال أزمات متواصلة تُشعر الجمهور الإسرائيلي بالخطر الوجودي فيلتف حوله.

داخليًا، يعيش نتنياهو على وقع محاكمات الفساد وتراجع شعبيته حتى داخل المعسكر اليميني. كلّما اشتد الضغط عليه، أدار وجهه نحو تصعيد عسكري، مستفيدًا من تماسك مجتمع يخاف على وجوده. أما خارجيًا، فيستخدم صور الدم والدمار لتذكير واشنطن وأوروبا بأنّ "إسرائيل في خطر"، فيحصد مزيداً من الدعم المالي والعسكري والسياسي، ويمنع أي ضغط حقيقي عليه لوقف النار أو فتح مسار سياسي. والنتيجة، تحوّلت المجازر من حدث طارئ إلى سياسة يومية، تسعى إلى إعادة تشكيل وعي الرأي العام الدولي بأنّ "لا سلام بلا قوة إسرائيلية".

من يراقب تصريحات نتنياهو يرى قناعة راسخة بأنّ استخدام القوة القصوى لن يستجلب عقابًا. تواطؤ بعض العواصم الغربية وتشتت الموقف العربي يمنحانه مظلة تحميه. لكن هذه العقيدة تسقط تدريجيًا: صور الضحايا، تقارير حقوق الإنسان، وموجات الغضب الشعبي العالمي، باتت تقضم من "الشرعية الأخلاقية" التي طالما ادّعتها إسرائيل. هذا التآكل في صورة "الدولة الديمقراطية" قد يرتدّ على إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا في المستقبل القريب.

إلى أين تتجه المنطقة؟ ثلاثة مسارات متداخلة

1. اتساع رقعة المواجهة
لم يعد الصراع محصورًا بين إسرائيل وغزّة. جنوب لبنان، سوريا، العراق، وحتى البحر الأحمر، كلها مسارح متصلة، وأيّ تفجير في إحداها يمكن أن يفتح جبهة أخرى. هذا التشابك قد يقود إلى حرب إقليمية واسعة لا أحد يملك السيطرة على مداها.

2. انهيار الدبلوماسية التقليدية
كلّ المبادرات، من الأمم المتحدة إلى الوسطاء العرب والأوروبيين، تبدو عاجزة أمام "عقيدة القوة" التي يتبناها نتنياهو. لا هدنة طويلة، ولا حلّ سياسيا دائما، بل إدارة أزمات متكررة. النتيجة: إضعاف فكرة "التسوية" واستبدالها بفكرة "الفرض بالقوة".

3. تعميق التطرف وصعود أجيال غضب جديدة
كل مجزرة تغذي شعورًا بالظلم التاريخي، وتوفر بيئة حاضنة للتطرف، ليس فقط في فلسطين بل في كلّ المنطقة. هذا "التطرف" هو في النهاية منتج مباشر لسياسات القوة المطلقة، وقد ينقلب على إسرائيل وحلفائها على المدى المتوسط.

وراء مشهد القوة هذا، يقف نتنياهو على حافة سكين. جمهوره اليميني المتشدد يطالبه بالمزيد من الدماء. شركاؤه في الائتلاف يتغذون من خطاب الكراهية والمحو. وفي الوقت ذاته، تلاحقه ملفات فساد ومحاكمات قد تطيح به بمجرد توقف الحرب. هكذا يصبح هو نفسه رهينة لسياساته: كلّما صعّد عسكريًا حصل على مهلة سياسية، لكن كلّما طال التصعيد ازدادت المخاطر وانكشف ضعف الدولة الإسرائيلية أمام حرب استنزاف طويلة.

هل يملك نتنياهو خطة خروج؟
حتى اللحظة، لا إشارات إلى أن نتنياهو يملك استراتيجية إنهاء. كلّ ما هناك هو "إدارة أزمة" وتمديد للوقت. هذا الفراغ في الرؤية يهدد بتحويل الشرق الأوسط إلى ساحة فوضى مفتوحة، حيث تضعف الحدود وتتشابك الميليشيات والجيوش، ما يجعل أيّ حلّ سياسي مستقبلاً أصعب وأعقد. وسط هذه اللوحة القاتمة، تبرز حاجة ملحّة إلى موقف دولي وإقليمي يعيد ضبط المعادلة. الدول العربية، والأطراف الدولية المؤثرة، أمام اختبار تاريخي: إما ترك نتنياهو يواصل رهانه على "جنون العظمة"حتى ينفجر كلّ شيء، أو التدخل بضغط سياسي ودبلوماسي واقتصادي يمنع انزلاق الشرق الأوسط نحو مواجهة شاملة.
إنّ مواجهة نتنياهو اليوم ليست مجرّد خلاف مع رئيس وزراء إسرائيلي، بل مواجهة مع عقلية ترى الحرب وسيلة للبقاء، والمجازر أداة حكم، والقوة طريقاً للشرعية. هذه العقلية إذا تُركت بلا رادع، ستأكل الجميع بلا استثناء.
 
المصدر: خاص لبنان24
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

بولين أبو شقرا - Pauline Abou Chakra