في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات حول نوايا
الولايات المتحدة العسكرية، جمع الرئيس الأميركي
دونالد ترامب كبار القادة العسكريين من مختلف أنحاء العالم في قاعدة عسكرية بولاية فرجينيا، خلال اجتماع وُصف بالمفاجئ والغامض، في توقيت حساس تتصاعد فيه التوترات مع
روسيا والصين، وسط تقارير عن مضاعفة إنتاج الأسلحة الأميركية واستعداد واشنطن لاستعادة النفوذ في آسيا الوسطى، لا سيما عبر أفغانستان.
استعراض القوة وإرسال رسائل متعددة
لم يقتصر دور ترامب على جمع الجنرالات فحسب، بل أكد في كلمته على أن الولايات المتحدة تمتلك "أعظم جيش في العالم" وتعمل على إنتاج "أقوى مقاتلة من الجيل السادس"، إلى جانب إرسال غواصة نووية وصفها بأنها الأشد فتكاً في لحظة تهديد روسي محتمل.
هذه التحركات لم تكن مجرد إعلان للقوة، بل رسائل مزدوجة: أولاً للداخل الأميركي، لتأكيد القدرة على إعادة بناء الجيش وتعزيز الروح القتالية، وثانياً للروس والصينيين، لتحذيرهم من أن الولايات المتحدة مستعدة لأي مواجهة عسكرية.
أعلن وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيث، الذي تولى قيادة الاجتماع، أن الجيش ملتزم بـ "الاستعداد للحرب بلا هوادة"، وأن أي طرف يتحدى واشنطن سيدفع الثمن. وأفادت وول ستريت جورنال أن البنتاغون شرع في مضاعفة إنتاج الصواريخ أربع مرات لتعويض الاستنزاف الكبير نتيجة الإمدادات العسكرية إلى أوكرانيا وإسرائيل، وأُنشئ مجلس تسريع الذخائر لضمان تعويض فجوات المخزون سريعاً.
في خطوة رمزية، ناقش هيغسيث إعادة تسمية البنتاغون إلى "وزارة الحرب"، الاسم الذي كان يُستخدم حتى أربعينات القرن الماضي قبل تغييره إلى
وزارة الدفاع، ما يعكس توجهًا أيديولوجيًا أكثر عدوانية داخل إدارة ترامب تجاه طبيعة الدور العسكري الأميركي.
آسيا الوسطى محور الاستراتيجية المقبلة
تُعد آسيا الوسطى نقطة محورية في الحسابات الأميركية، ليس فقط لكونها منطقة استراتيجية تربط الشرق بالغرب عبر طرق التجارة البرية، بل أيضاً لاحتوائها على ثروات معدنية حيوية في سباق التكنولوجيا العالمي. وتأتي هذه التحركات في إطار رغبة واشنطن في استعادة النفوذ الذي فقدته بعد الانسحاب من أفغانستان، فيما تحاول الصين وروسيا تعزيز وجودهما بالتقارب مع طالبان.
يُنظر إلى قاعدة باغرام الجوية كعنصر أساسي في استعادة النفوذ الأميركي، مع إدراك أن أي عودة ستواجه مقاومة قوية من القوى الإقليمية والدولية.
خلفيات وتداعيات الاجتماع
أكد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جورج تاون، إدموند غريب، أن الاجتماع أثار جدلاً واسعًا في واشنطن، إذ يسعى وزير الحرب لإدخال تغييرات عميقة على المؤسسة العسكرية، من بينها تقليص عدد الجنرالات وإعادة التركيز على القوة الضاربة للجيش، في مواجهة ما يعتبره المحافظون ثقافة داخلية لا تتناسب مع جيش قادر على خوض معارك كبرى.
وأشار غريب إلى أن الرسائل الأميركية موجّهة للداخل والخارج على حد سواء: داخلياً لتثبيت صورة ترامب كقائد قوي يعيد بناء الجيش، وخارجياً لتحذير موسكو وبكين من أي محاولات لتقويض الهيمنة الأميركية.
معضلة الاستنزاف العسكري
يواجه الجيش الأميركي تحدياً حقيقياً يتمثل في استنزاف المخزون العسكري نتيجة الدعم المستمر لأوكرانيا وإسرائيل، بينما تضاعف روسيا إنتاج الدبابات والصواريخ ثلاث مرات مقارنة بالغرب مجتمعاً، ما يفسر اندفاع البنتاغون نحو مضاعفة إنتاج الذخائر لضمان الجاهزية لأي مواجهة مباشرة.
ولا يقتصر الصراع على آسيا الوسطى، إذ يمتد إلى البحر الأحمر،
الشرق الأوسط، وحتى القطب
الشمالي حيث تنسق روسيا مع الصين، ما يحوّل أي مواجهة محتملة إلى صراع متعدد الجغرافيا يربط بين الممرات البحرية والبرية والموارد الطبيعية.
التخبط الأميركي وتغير موازين القوى
المفارقة الكبرى تكمن في أن ترامب هو من أمر بالانسحاب من أفغانستان سابقاً، قبل أن يصفه بالخطأ التاريخي، ما يعكس حالة من التخبط في السياسة الأميركية بين الانعزال والتدخل. وقد أدى ذلك إلى تقارب صيني-روسي غير مسبوق، وانضم إليه البعد
الإيراني، بينما أخذت الهند مسافة من واشنطن بسبب خلافات تجارية وعقوبات على شراء السلاح الروسي، ما أعاد تشكيل التحالفات الدولية.
انعكاسات الشرق الأوسط والبعد الاقتصادي
في الشرق الأوسط، أظهرت المواقف الدولية بشأن غزة والضفة الغربية دعم الأغلبية لدولة فلسطينية وانتقاد السياسات
الإسرائيلية، مما وضع واشنطن في عزلة نسبية. وتعزيز القوة العسكرية الأميركية يُنظر إليه كتعويض جزئي عن التراجع الدبلوماسي، لتذكير العالم بأن الولايات المتحدة ما زالت اللاعب الأساسي على الساحة الدولية.
يؤكد غريب أن القوة العسكرية وحدها لا تكفي، بل يجب ترجمتها إلى حماية المصالح التجارية والاقتصادية، والسيطرة على الممرات والمنافذ البحرية والبرية، التي أصبحت أوراقاً حاسمة في موازين النفوذ العالمي.
تظهر تحركات واشنطن أنها تسعى إلى إعادة بناء القوة العسكرية الأميركية والظهور بمظهر المستعد للمواجهة، لكن يبقى السؤال مفتوحاً: هل الهدف هو خوض حرب فعلية، أم مجرد رسائل ردع وإعادة توازن النفوذ الدولي؟
وتشير التحليلات إلى أن السياسات المرتبكة، مع التحديات الاقتصادية والمنافسة الدولية المتسارعة، قد تجعل الولايات المتحدة أقل قدرة على فرض إرادتها كما في السابق، بينما يستمر سباق التسلح وإعادة رسم الاستراتيجية الأميركية في مواجهة تحولات دولية متسارعة وتوازنات جديدة بين القوى الكبرى.