ضربة سياسية جديدة تلقاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صباح الاثنين، بعد أن قدّم رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو استقالته المفاجئة من منصبه، بعد أسابيع قليلة فقط من تولّيه رئاسة الحكومة، في خطوة أربكت الأوساط السياسية والاقتصادية وأعادت طرح سؤال الاستقرار في ثاني أكبر اقتصاد
أوروبي.
تأتي هذه الاستقالة المفاجئة بعد يوم واحد فقط من إعلان ماكرون تشكيل حكومة جديدة كانت تُعدّ بمثابة محاولة لترميم الثقة بعد سلسلة من الأزمات السياسية، إلا أن استقالة لوكورنو المفاجئة عمّقت الأزمة وأثارت مخاوف حقيقية حول قدرة باريس على تمرير موازنة 2026 في ظل برلمان منقسم ومعارضة قوية.
وعقب الإعلان، شهدت الأسواق
الفرنسية تراجعاً حاداً، إذ انخفض مؤشر كاك 40 بنسبة 1.9 بالمئة، وهبط اليورو 0.7 بالمئة مقابل الدولار، فيما ارتفعت عوائد السندات الحكومية طويلة الأجل إلى أعلى مستوياتها منذ أسابيع، حيث بلغ عائد سندات الثلاثين عاماً 4.44 بالمئة.
وبحسب تقرير لشبكة CNBC، فإن هذا الارتفاع في العوائد وسّع الفارق بين تكلفة الاقتراض الفرنسية ونظيرتها
الألمانية إلى أكثر من 89 نقطة أساس، وهو أعلى مستوى منذ أواخر 2024، ما يعكس تزايد المخاطر المالية المرتبطة بعدم الاستقرار السياسي في
فرنسا.
لوكورنو، الذي كان يُعتبر من أقرب حلفاء الرئيس ماكرون وشغل سابقاً منصب
وزير الدفاع، واجه منذ توليه رئاسة الحكومة في سبتمبر سلسلة من التحديات، أبرزها الانقسام الحاد في البرلمان وتصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد السياسات الاقتصادية التقشفية.
ويرى محللون أن هذه الاستقالة تمثّل إخفاقاً جديداً لماكرون في تثبيت حكومات مستقرة، إذ تُعدّ استقالة لوكورنو الخامسة لرئيس وزراء فرنسي خلال أقل من عامين، ما يجعل من الصعب تمرير أي إصلاحات مالية أو اقتصادية كبرى.
وكان من المفترض أن يُلقي لوكورنو يوم الثلاثاء خطاباً أمام الجمعية الوطنية لعرض خارطة طريق حكومته، لكن استقالته المفاجئة ألغت الحدث، ودفعت المستثمرين إلى حالة من الذعر، وسط توقعات بأن تستمر الضبابية السياسية لأسابيع قادمة.
من جهته، قال زعيم الحزب الاشتراكي الفرنسي أوليفييه فور إن "فريق ماكرون ينهار بالكامل، والحكومة الجديدة فقدت شرعيتها قبل أن تبدأ عملها"، واصفاً الوضع بأنه "أزمة سياسية غير مسبوقة في تاريخ الجمهورية الخامسة".
ويرى خبراء الاقتصاد أن استمرار هذه الاضطرابات قد يؤدي إلى تراجع الثقة بالاقتصاد الفرنسي، ويؤثر على قدرة باريس في الالتزام بمعايير
الاتحاد الأوروبي المالية، حيث بلغ عجز الموازنة 5.8 بالمئة من الناتج المحلي، والدين العام 113 بالمئة من الناتج، أي نحو ضعف الحد
الأقصى الذي تسمح به بروكسل.
ويُعدّ المشهد الحالي في فرنسا اختباراً حقيقياً للرئيس ماكرون، الذي يواجه انتقادات واسعة من
المعارضة ومن داخل معسكره السياسي على حد سواء، وسط مخاوف من أن يؤدي الفراغ الحكومي إلى شلل اقتصادي وسياسي طويل الأمد في قلب
أوروبا.