ذكرت صحيفة "The Atlantic" الأميركية أنه "قبل أربعة أشهر، قصفت
إسرائيل إيران لمدة اثني عشر يومًا، في حملةٍ كانت نهايتها الكبرى تدميرًا واضحًا لثلاث منشآت نووية إيرانية بضرباتٍ شنتها
الولايات المتحدة. وفي الأسبوع الماضي، قررت المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا أن القصف لم يكن كافيًا، وفعّلوا عقوبات
الأمم المتحدة المُعيقة "سناب باك"، كما طالب صقور أميركا لسنوات. حاول المسؤولون الإيرانيون تجنب هذه العقوبات، وعندما فُرضت، قلّل هؤلاء المسؤولون من تأثيرها قائلين إن إيران نجت من العقوبات سابقًا. لكن هذه العقوبات تُسبب نوعًا جديدًا من الألم، فقد علّقت اليابان بالفعل عشرات الأصول الإيرانية، حتى تركيا، الشريك الاقتصادي الوثيق تقليديًا، امتثلت للقرار، وانخفض الريال الإيراني إلى أدنى مستوى تاريخي له".
وبحسب الصحيفة، "إنَّ مزيجَ الدمار والخراب الاقتصادي يُصيبُ إيرانَ باليأس، ورغمَ أنَّها لا تزالُ تملكُ خياراتٍ أخرى، إلا أنَّ كلها سيئة. كانت استراتيجية إيران النووية السابقة تتمثل في تخصيب اليورانيوم ببطء وثبات، مصحوبًا بمفاوضات مطولة ورتيبة مع الولايات المتحدة. لقد أبرمت إيران اتفاقا نوويا مع إدارة باراك أوباما في عام 2015، ثم شاهدت إدارة دونالد ترامب تنسحب في عام 2018. لقد فشلت استراتيجية التفاوض في إيران وتركتها بلا قنبلة، مهانة في المعركة، وتواجه البؤس. وفي الواقع، قد تتخلى إيران عن طموحاتها النووية، فالدول التي تمتلك أسلحة نووية عادةً ما تبقى على قيد الحياة، لكن لكي ينجح الخيار الكوري
الشمالي، يجب على إيران في الواقع امتلاك قنبلة نووية. وسوف يتعين على العلماء النوويين الإيرانيين أن يعودوا إلى عملهم، على الرغم من الأدلة الوافرة على أن إسرائيل والولايات المتحدة قادرتان على العثور عليهم وقتلهم، باستخدام قتلة محترفين على دراجات نارية، وطائرات من دون طيار، وقاذفات قنابل، وأساليب غريبة إلى درجة أن طبيعة الهجوم لم تُفهم جيداً حتى بعد سنوات. وإذا نجح هؤلاء العلماء الشجعان، فستكون النتيجة بالنسبة لإيران العزلة والفقر، والحرمان الدائم من أي حوافز كانت طهران تأمل في الحصول عليها من خلال المفاوضات، ولعل أسوأ ما في الأمر هو عدم امتلاك القنبلة النووية".
وتابعت الصحيفة، "خيار آخر هو اللجوء إلى الصواريخ الباليستية بدلًا من النووية. كان أحد مخاطر الحرب التي استمرت 12 يوماً، بالنسبة لإيران وإسرائيل على حد سواء، هو ما هددت الحرب بكشفه عن قدراتهما العسكرية. فقد كشفت الأيام الأولى من الصراع أن إيران كانت مكشوفة وعاجزة في مواجهة الهجمات الجوية وأجهزة الاستخبارات
الإسرائيلية. لم تكن الأسلحة الإيرانية المستوردة والمقاتلات القديمة ذات أهمية. وفي الواقع، لم ينجح سوى عنصر واحد من استراتيجية الدفاع الإيرانية. فخلال الحرب، أطلقت إيران حوالي 500 صاروخ باليستي، ويُعتبر هذا العدد جزءًا كبيرًا من إجمالي مخزونها: 12 يومًا من الحرب لم تُستنفد ترسانتها بالكامل، ولكن ربما كانت بضع عشرات أخرى كافية. وفي الحقيقة، لقد نجح هجومها الشرس على إسرائيل. اعترضت دفاعات إسرائيل عددًا كبيرًا من الصواريخ في الجو، ولكن ما يكفي من الأسلحة تسلل ليظهر أن إيران قادرة على التغلب على تلك الدفاعات وتدمير الأهداف التي تختارها بقدر هائل من القوة".
وأضافت الصحيفة، "فشلت الأسلحة الإيرانية المستوردة، لكن صناعة الأسلحة الإيرانية أنتجت طائرات مسيّرة وصواريخ أنقذتها من الانهيار. ويحمل صاروخ "خرمشهر 4" حمولة 1500 كيلوغرام، ويطلق في غضون 12 دقيقة، ويصل مداه إلى 2000 كيلومتر. وتُعدّ الطائرات المسيّرة الإيرانية على الأرجح أبرز صادراتها الصناعية، وتستخدمها
روسيا بانتظام في هجومها على أوكرانيا. وتُدير طهران الآن مصنعًا للطائرات المسيّرة في طاجيكستان، وتستخدمه لتزويد روسيا. مع ذلك، لن تضاهي طائرات إيران المسيّرة وصواريخها ما يمتلكه خصومها الرئيسيون. على الأكثر، لا يسع إيران إلا أن تأمل في جرح أميركا أو إسرائيل عند مهاجمتها، لكن أسلحتها لا يمكنها أبدًا أن تكسب حربًا. هذا يعني أن إيران قد تشعر بأنها مضطرة لطلب المساعدة من الخارج. وردًا على التصعيد الأوروبي، صرّح الرئيس مسعود بزشكيان بأن إيران ستعطي الأولوية الآن لمجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون".
وبحسب الصحيفة، "هذا النهج يائس، فبكين وموسكو تتعاملان مع إيران كحليف أقل، بل كطرفٍ رخيص. تُقدّر روسيا علاقاتها مع إسرائيل بقدر علاقاتها مع
إيران على الأقل، وتُجري الصين معاملات تجارية مع جيران إيران العرب أكثر من تجارتها مع إيران، ولديها استثمارات أكبر
في إسرائيل. قبلت روسيا بسرور طائرات مُسيّرة من إيران في حربها في أوكرانيا، لكنها لم تُقدّم أي دعم لإيران خلال حرب الاثني عشر يومًا، وتعتمد إيران على الصين لشراء نفطها المُصدّر. لم تبع روسيا ولا الصين إيران أفضل معداتها العسكرية. ولو فعلتا ذلك، لكانت الحرب المقبلة مع إسرائيل بمثابة كنز استخباراتي للولايات المتحدة، التي ستستطيع حينها أن ترى بدقة ما يمكن أن يفعله أحدث جيل من الأسلحة الصينية. أما بالنسبة للبرازيل والهند، فإن إعادة فرض العقوبات تعني إجبار المزيد من
الدول على الاختيار بين الصداقة مع إيران والصداقة مع أي دولة أخرى. وحتى حلفاء إيران المقربين، مثل العراق، مضطرون للالتزام بالعقوبات بشكل أو بآخر. فعندما حاولت الهند بناء ميناء في جنوب شرق إيران لمنافسة ميناء قريب بنته الصين في باكستان، واجهت الكثير من القيود لدرجة أنها اضطرت فعليا إلى الاستسلام والمغادرة".
وتابعت الصحيفة، "في غياب الحلول العسكرية، قد تُقرر إيران اللجوء إلى تسوية تاريخية. ستُقرّ بخسارتها حملتها المناهضة للغرب، وستتوقف عن هواجسها "الموت لأميركا" و"الموت لإسرائيل"، وستتحول بخنوع إلى دولة طبيعية ومملة، أقرب إلى إندونيسيا منها إلى كوريا الشمالية. يأمل الكثير من النخبة الحاكمة في إيران في هذا المسار، وسيكون من السهل على هذه الفئة قبول نهاية المشروع الثوري الإسلامي، لكنهم يبحثون عن طريقة لتحقيق ذلك تُمكّنهم من البقاء في السلطة بعد ذلك",
وختم الموقع، "إن الخيارات الثلاثة الأولى (التوجه إلى الأسلحة النووية، أو الصواريخ الباليستية، أو التقرب من الصين وروسيا) تتمتع بالفضيلة، على الأقل بالنسبة للمتشددين، وهي إطالة أمد الحكم الداخلي المتزمت للجمهورية الإسلامية، وعدم المطالبة باعترافهم بالهزيمة. الخيار الأخير له، في نظر الجميع، ميزة تغيير جوهر إيران، وإحلال السلام، وربما حتى الرخاء. بمعنى آخر، أي شيء وارد".