نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تقريراً جديداً قالت فيه إن إسرائيل تعيشُ تحولاً عميقاً في رؤيتها لنفسها، فهي باتت تعتمد أكثر على قوتها العسكرية، حتى لو أدى ذلك إلى مزيد من العزلة الدولية.
ويقول التقرير إن ما يبدو هو أن تل أبيب تعيشُ في حالة إنهاك سياسي وعسكري، وذلك بعد عامين من العمليات العسكرية المتواصلة من غزة إلى لبنان وسوريا، مشيراً، نقلاً عن محللين، إلى أنَّ الحكومة الإسرائيلية لم تعد تميّز بين استخدام القوة للدفاع عن النفس وبين استخدامها لفرض الهيمنة المستمرة في المنطقة.
وفي السياق، تقول الكاتبة والمحللة السياسية مايراف زونسزاين، إنّ أداء حكومة بنيامين نتنياهو يعكس ذهنية إسرائيلية عامة باتت ترى الأمن في الحرب الدائمة لا في التسويات.
وتقول زونسزاين، كبيرة المحللين المعنيين بإسرائيل في مجموعة الأزمات الدولية وكاتبة الرأي في "نيويورك تايمز"، إن الهجوم الإسرائيلي على قادة حركة حماس في الدوحة في 9 أيلول مثّل لحظة كاشفة.
فبعد العملية، قال مسؤول إسرائيلي لموقع "أكسيوس" إن "نتنياهو وقع في غرام دور المتنمر الإقليمي إلى حدٍّ لم يعد أحد يتوقع خطوته التالية".
وتضيف زونسزاين أن إسرائيل خلال العامين الماضيين أظهرت استعداداً لضرب أي مكان في المنطقة، حتى في دول لا تُعد عدوةً لها مثل قطر، التي تقوم بدور الوسيط في المفاوضات وتُعد حليفاً وثيقاً لواشنطن.
ومنذ هجوم حماس في 7 تشرين الأول 2023، ركزت إسرائيل على استعادة قدرتها على الردع وتفكيك قدرات خصومها، لكنها عملياً تبنّت نموذج الحرب المستمرة.
وتقولُ الكاتبة إن تدمير غزة وتحويلها إلى منطقة غير صالحة للحياة لم يكن نتيجة عرضية، بل نتاج رؤية حكومية معلنة لدى بعض الوزراء الذين أرادوا "كسر روح الخصم" مهما كان الثمن.
وترى زونسزاين أن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة لإنهاء الحرب في غزة ليست خطة سلام حقيقية بل إنذار لحماس، فهي قد تنهي إراقة الدماء وتؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن، لكنها تعتمد على ضغوط سياسية أميركية مستمرة على الطرفين.
وتشير إلى أن نتنياهو تبنّى الخطة بوصفها "انتصاراً شخصياً"، رغم أن إنجازاته الأمنية هشة وأن عزلة إسرائيل الدولية تتعمق.
تقول الكاتبة إن العملية الفاشلة في الدوحة كانت نقطة تحول حاسمة، إذ دفعت الولايات المتحدة ووسطاءها إلى ممارسة ضغط مباشر على نتنياهو للقبول بوقف الحرب.
أيضاً، ذكرت أنَّ استمرار العمليات في غزة رغم اعتراضات داخلية في الجيش الإسرائيلي عزّز القناعة الدولية بأن الحملة في غزة ترقى إلى إبادة جماعية.
ومشهد نتنياهو وهو يخاطب مقاعد شبه فارغة في الأمم المتحدة، بينما كانت دول غربية كبرى تعترف بدولة فلسطين، جعل إسرائيل – كما تصفها زونسزاين، "تبدو كفاعل غير عقلاني يهدم ذاته بيده".
وتُقر الكاتبة بأن إسرائيل حققت مكاسب ميدانية مثل إضعاف القدرات العسكرية لحماس في غزة، توجيه ضربات قاسية لحزب الله في لبنان، الإسهام في سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
مع هذا، تشير الكاتبة إلى أن هذه النجاحات لم تُترجم إلى استقرار أو سلام، بل دفعت إسرائيل إلى الانغماس أكثر في الحروب المتتالية، مؤكدة أنَّ المسؤولية لا تقع على نتنياهو وحده، بل على المجتمع الإسرائيلي بكل مؤسساته العسكرية والإعلامية والسياسية، الذي شارك عن وعي أو خوف في مشروع الحرب المستمرة.
كذلك، ترى الكاتبة أن كثيرين في إسرائيل ما زالوا يعتقدون أن الأمن يتحقق عبر السيطرة المطلقة وسحق كل من يعارضهم، معتبرة أن ما يحاول ترامب فعله – رغم دوافعه المصلحية – هو تغيير هذه المعادلة. (سكاي نيوز عربية)