منذ اندلاع الحرب الأخيرة على قطاع غزة، يعيش رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرحلة هي الأصعب في مسيرته السياسية الطويلة. فالحرب لم تكن مجرد مواجهة عسكرية مع حركة حماس، بل كشفت عن عمق الانقسامات داخل
إسرائيل، وضغط الشارع الغاضب، وتآكل التحالفات السياسية التي شكّلت أساس بقائه في الحكم.
نديم قطيش يرى أن نتنياهو يمتلك "قدرة فريدة على تحويل الأزمات إلى فرص للبقاء"، مشيرًا إلى أنه "كما فعل
ترامب في
الولايات المتحدة، ينجح نتنياهو في إعادة تسويق نفسه سياسيًا كلما واجه تهديدًا وجوديًا". ويضيف أن الدعم الأميركي، وخصوصًا من الرئيس ترامب، شكّل له طوق نجاة، إذ ساهم في إعادة تلميعه دولياً. ويعتبر قطيش أن نتنياهو قدّم "خدمة استراتيجية" لترامب عندما مهّد الطريق لضرب
إيران، ما جعل العلاقة بين الرجلين أشبه بتحالف مصلحي يربط بين السياسة
الإسرائيلية والحسابات الانتخابية الأميركية.
أما عماد الدين أديب فيسلّط الضوء على الأبعاد النفسية والاجتماعية للحرب داخل غزة، محذّرًا من أن الأجيال
الفلسطينية الجديدة التي شهدت الدمار قد تُصبح أكثر ميلاً للتطرف ما لم تُقدَّم حلول سياسية واجتماعية بديلة. لكنه يرى أن حماس تواجه "موتًا سياسيًا"، لأنها فشلت في الجمع بين المقاومة المسلحة والمشروع السياسي، مؤكدًا أن "الفكر السياسي لا يعيش في الفراغ، وإذا لم يجد بيئة حاضنة فسيموت".
ويقارن أديب وضع حماس بدول خسرت حروبًا كبرى مثل اليابان وألمانيا، لكنها نجحت في التحول عبر بناء مؤسسات مدنية حديثة.
من جهته، أوضح موفق حرب أن الصراع الحالي تجاوز الإطار العسكري ليصبح جزءًا من إعادة رسم الخريطة السياسية الأميركية في المنطقة. وقال: "ربما لو كان ترامب في الحكم لما تجرأت حماس على شنّ هجومها الأخير"، معتبراً أن ضعف إدارة بايدن شجّع الحركة على المغامرة. وأضاف أن نتنياهو رغم الانتقادات، لا يزال يمتلك رصيدًا عسكريًا غير مسبوق منذ 1967، يمنحه بعض القوة أمام
المعارضة الداخلية، لكنه يواجه في المقابل تحديات متصاعدة من اليمين المتطرف.
أما نضال كناعنة فاعتبر أن نتنياهو يعيش "عبادة سياسية" في الداخل الإسرائيلي، إذ يلتف حوله مؤيدوه بشكل شبه عقائدي، بينما يظل خصومه في موقع الرفض الدائم. ويرى أن استمرار الحرب يخدمه سياسياً عبر تأجيل محاكمته في قضايا الفساد، لكنه في الوقت ذاته يواجه منافسة شرسة من رموز اليمين مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذين يعتمد مستقبلهما السياسي على استمراره في الحكم. ويضيف كناعنة أن ترامب يعمل على "إعادة تصدير نتنياهو دولياً" من خلال إبعاده عن الوجوه المتطرفة التي تضرّ بصورة إسرائيل في الخارج.
في المقابل، يرى نبيل عمر، القيادي في حركة فتح، أن حماس فقدت معظم أوراقها السياسية والعسكرية، وأن المرحلة المقبلة ستجبرها على العودة إلى الإطار الشرعي لمنظمة التحرير الفلسطينية. وشدّد على ضرورة تنظيم انتخابات عامة بإشراف دولي لإعادة الشرعية السياسية، مؤكداً أن إعادة الإعمار في غزة يجب أن تكون مدخلاً لإعادة بناء المجتمع الفلسطيني على أسس واقعية.
ويرى أن الجيل الجديد من
الفلسطينيين "قد يتجه نحو عقلانية سياسية جديدة بعيدًا عن منطق الثأر والعنف"، ما يفتح المجال أمام مشروع وطني أكثر استقراراً.
تُظهر الحرب الأخيرة أن إسرائيل تواجه أزمة قيادة حقيقية: نتنياهو لا يزال في موقع السيطرة، لكن على أرض هشة، وسط احتجاجات شعبية وضغوط دولية متزايدة.
أما فلسطين، فهي أمام فرصة لإعادة بناء نظامها السياسي بعد أن تراجعت قوة حماس ميدانياً.
وهكذا، تتحول الحرب إلى معركة بقاء سياسي لكل الأطراف، حيث لا يملك أحد رفاهية الانسحاب أو الهزيمة.