عندما يجتمع الحجاج في ساحة القديس بطرس في 19 تشرين الأول لتقديس الطوباوي بارتولو لونغو مع ستة طوباويين آخرين، سيشهدون أكثر من إعلان قديس جديد؛ إنهم أمام قصة تحوّل كامل. فالمحامي الإيطالي الذي انجرف يومًا إلى ظلام السحر وخدم فترة كـ"كاهن شيطاني"، صار واحدًا من أبرز الرسل العلمانيين المستنيرين في الكنيسة الحديثة.
وُلد لونغو في لاتيانو عام 1841، ودرس القانون في جامعة نابولي حيث أبعدته تيارات الوضعية والعقلانية والروحانية عن إيمان صباه. ورغم ابتعاده عن الأسرار، ظلّ متمسّكًا بتلاوة المسبحة اليومية التي تعلّمها لدى البياريست. يقول الأب سالفاتوري سورينتينو، مدير أرشيف "بارتولو لونغو" في بومبي، إن كتاباته تكشف "حبًا بلا حدود لمريم
العذراء"، حتى ليعدّه "متصوّفًا مريميًا" بالمعنى الكامل.
نقطة التحوّل أتت في 29 أيار 1865. يروي لونغو لمرشده الدومينيكي: "يا إلهي… في ذلك اليوم نفسه، 29 أيار، عندما رفضتك لأعانق الأفعى، أردتَ أن تنتصر عليّ انتصار والدتك". من تلك اللحظة توجّهت حياته بالكامل نحو الإنجيل والمحبة. وفي عام 1872 سمع في قلبه "همسًا إلهيًا": "إن كنتم تطلبون الخلاص، فانشروا المسبحة". فنذر ألّا يغادر المنطقة حتى يغرس عبادة عذراء المسبحة، ومنها وُلد مزار سيدة المسبحة في بومبي، ومن حوله مدينة بأكملها.
يؤكد رئيس أساقفة بومبي المندوب البابوي للمزار، توماسو كابوتو، أن لونغو "لم يؤسّس مزارًا فحسب، بل مدينة وُلدت من الإيمان". فقد أسّس بنية تحتية كاملة: بريدًا وبرقًا، مياهًا جارية، محطة قطار ومرصدًا، فأعاد المدينة التي دُفنت تحت رماد فيزوف منذ القرن الأول إلى نهضة روحية واجتماعية.
في 1885 تزوّج الكونتيسة ماريانا دي فوسكو، شريكته في التفاني المريمي وخدمة الفقراء. عيشهما للزواج بعفّة بقرار متبادل قدّم شهادة على إمكان ازدهار القداسة في الحياة العلمانية. وعلى خط الخدمة، أسّس دار أيتام للفتيات (1887)، ومعهدًا لأبناء السجناء (1892) وآخر لبناتهم (1922). ويشرح سورينتينو أن أعماله "لا تنبع من إحسان فطري، بل من محبة الله المسكوبة في القلب بالروح
القدس".
تواصل أعمال المزار اليوم روح المؤسس؛ فبحسب كابوتو، يبقى الضريح "مستشفى ميدانيًا" للفقراء، تتبدّل وسائله مع الزمن ويبقى الإلهام واحدًا: مثال لونغو. ويشدّد سورينتينو على أن قوة مشروعه قامت على الطاعة: للسلطات المدنية حين تخدم الخير العام، وللكنيسة حتى حين تتطلّب تواضعًا مؤلمًا، "فالحرية الحقيقية تنبع من طاعة الله".
بحلول وفاته عام 1926 كان لونغو قد حوّل "الرماد" إلى واحة حية. ولخّص البابا بندكتس السادس عشر زيارته لبومبي عام 2008 بقوله: "من كان يظنّ أن مزارًا مريميًا عالميًا سيقوم هنا إلى جانب الأطلال، ومعه أعمال اجتماعية تعبّر عن الإنجيل في خدمة المحتاجين؟ أينما حلّ الله، ازدهرت الصحراء!". (National Catholic Reporter)