Advertisement

عربي-دولي

الخط الأصفر… حدود جديدة تبتلع غزة

Lebanon 24
19-10-2025 | 12:00
A-
A+
Doc-P-1431406-638964924293671939.png
Doc-P-1431406-638964924293671939.png photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
كتبت "اندبندنت عربية"
 
كان إيهاب أبو شعبان يقود مركبته المتهالكة عائداً إلى منطقته السكنية في مدينة غزة بعد نزوح طويل في الجنوب، حيث عاش وعائلته تجربة قاسية من الفقر والإذلال في المناطق الإنسانية التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.
Advertisement
حين أبلغ أطفاله السبعة بأنهم اقتربوا من حيّهم، تعالت صيحات الفرح داخل السيارة، لكنّ المشهد الذي رأوه لم يكن سوى ركام ضخم بلا ملامح. قال لهم إيهاب بهدوء: "هذا بيتنا".
لم يكن يعلم أن بيته يقع خلف ما يُعرف بـ"الخط الأصفر"، وأن عودته ستكون الأخيرة. فبينما كان يتقدّم ببطء نحو الأنقاض ليتفقد ما تبقى من ذكرياته، أطلقت قوات الجيش الإسرائيلي المتمركزة في المنطقة النار عليه، فقتلته مع جميع أفراد أسرته الإحدى عشرة.

حادثة مقتل عائلة أبو شعبان وُصفت بأنها الخرق الأكبر لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحماس. لكنها لم تكن مجرد انتهاك إنساني، بل كشفت عن ملامح جديدة لما تسميه تل أبيب "الخط الأصفر"، الحد السياسي والعسكري الجديد الذي بدأ يُرسَّم داخل القطاع.

يقول المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل: "لم تعرف العائلة أنها تجاوزت الخط الأصفر، فلا توجد أي علامات واضحة على الأرض، ولم توضع إشارات تحذيرية. عندما وصلنا إلى الموقع وجدنا مشاهد مأساوية، جثث الأطفال نبشتها الكلاب. كان يمكن للجيش استخدام وسائل غير مميتة كالتحذير الصوتي أو إطلاق الغاز، لكن ما جرى كان خطوة مقصودة تحمل رسائل سياسية واضحة".


خطة ترامب.. وثلاث مراحل للانسحاب

تستند فكرة "الخط الأصفر" إلى ما جاء في خطة ترامب للسلام والازدهار، والتي تضمنت خرائط ميدانية تحدد مراحل الانسحاب الإسرائيلي من القطاع:
- المرحلة الأولى – الخط الأصفر: تبدأ فور توقيع الاتفاق ويمثل منطقة انتشار جزئي للجيش الإسرائيلي.
- المرحلة الثانية – الخط الأحمر: تبدأ عند نشر قوة دولية لحفظ الاستقرار.
- المرحلة الثالثة – المنطقة الأمنية العازلة: تُسلَّم فيها إدارة القطاع إلى هيئة إدارية دولية.

وفي العاشر من تشرين الأول الجاري، وبعد اتفاق حماس وتل أبيب، بدأ الجيش الإسرائيلي الانسحاب من بعض المناطق داخل غزة متمركزاً على طول هذا "الخط الأصفر" الغامض، الذي لم تُحدد حدوده فعلياً على الأرض.

يقول السكان إنهم لم يعرفوا شيئاً عن مواقع الخط الجديد، إذ لم تضع إسرائيل أي علامات مرئية، مما جعل كثيرين يحاولون العودة إلى منازلهم فيقعون في مرمى النيران.
الصحف الإسرائيلية، وبينها "معاريف"، زعمت أن الجيش تعامل مع تحرك سيارة أبو شعبان على أنه "اختبار أمني" من قبل الفصائل الفلسطينية، مشيرة إلى سلسلة حوادث مشابهة على طول الخط ذاته.

بعد تلك الحوادث، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أنه أصدر أوامر مباشرة لمؤسسته الأمنية ببدء ترسيم الخط الأصفر ميدانياً.
وقال كاتس: "طلبت وضع علامات واضحة على طول الخط باستخدام أرصفة مرصوفة بصورة خاصة، لتحديد مسار الحدود السياسية الجديدة. أي اقتراب من الخط سيُقابل بإطلاق النار، فهو يمثل حدود انتشار قواتنا وفق ترتيبات وقف إطلاق النار".

الباحث العسكري محمد وهدان يوضح أن اختيار اللون الأصفر ليس عشوائياً، قائلاً: "اللون الأصفر يُستخدم عادة في التحذيرات والمناطق الخطرة. الهدف من ترسيم هذه الحدود هو جعلها إشارة تحذيرية دائمة تفصل بين المناطق الآمنة للفلسطينيين والمناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية".
 
نصف غزة تحت السيطرة

وفقاً لخبراء ميدانيين، فإن "الخط الأصفر" يبتلع أكثر من نصف مساحة قطاع غزة — أي نحو 53 في المئة من أراضيه.
تشمل المنطقة الممتدة خلف الخط أحياءً حيوية مثل الشجاعية، التفاح، الزيتون، بيت حانون، بيت لاهيا، إضافة إلى رفح بكاملها تقريباً، والجزء الشرقي من خان يونس.
يقول وهدان: "هذا الخط يمهّد لتغيير ديموغرافي وجغرافي واسع. إنه يمنح إسرائيل السيطرة على المداخل والمعابر والطرق الحيوية داخل القطاع، ويحوّل المنطقة إلى حزام أمني عازل يمنع أي تهديد محتمل من الفصائل المسلحة".

قبل الحرب، كان الشريط الأمني بين غزة وإسرائيل لا يتعدى 800 متر. اليوم، ومع "الخط الأصفر"، توسّع نطاق السيطرة الإسرائيلية إلى 1.5 كيلومتر وسط القطاع، وثلاثة كيلومترات شمالاً، وسبعة كيلومترات جنوباً.

تبلغ مساحة المناطق الواقعة خلف "الخط الأصفر" نحو 185 كيلومتراً مربعاً، وستبقى خاضعة للسيطرة الإسرائيلية حتى دخول القوات الدولية.
ويعتبر باحثون أن هذا الواقع الجديد هو شكل من الاحتلال الجزئي المقنّع تحت مسمى "الفصل الأمني"، إذ لم تغادر القوات الإسرائيلية فعلياً، بل أعادت انتشارها ضمن نطاق أوسع داخل القطاع.


نتنياهو: السيطرة مرهونة بالتزام حماس

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الجيش "لن ينسحب من المناطق التي انتقل منها ما دامت حماس تلتزم بالاتفاق"، وهو ما دفع صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى القول إن "الخط الأصفر يمنح إسرائيل سيطرة مؤقتة، وربما دائمة، إذا فشلت المفاوضات السياسية".

بالنسبة للفلسطينيين، تحوّل "الخط الأصفر" إلى رمز للفقد والمنع والحدود النفسية.
تقول هناء، وهي نازحة من حي الزيتون: "في قلبي فراغ لا مثيل له. بيتي يقع خلف الخط الأصفر، يبعد عني كيلومتراً واحداً فقط، لكن الوصول إليه أصبح مستحيلاً. أريد أن أنام ليلة واحدة بين جدرانه المهدمة، حتى لو كانت بلا سقف".

تعيش هناء اليوم داخل خيمة مؤقتة، تحدّق كل صباح في الجهة الشرقية حيث بيتها المدفون خلف "الخط". تلك المناطق تُصنَّف "صفراء"، أي محظور دخول المدنيين إليها بذريعة الأمن. تقول: "نحن الآن تحت حصار جديد داخل وطننا. لم يعد الاحتلال عند الحدود، بل صار يطوّقنا من الداخل".

في غزة، لم يعد الركام وحده يروي الحكاية. ثمة خط أصفر جديد يقسم الأرض والذاكرة معاً، يبتلع نصف القطاع ويحوّل عودة النازحين إلى مغامرة قاتلة.
الحدود تغيّرت، كما تغيّرت معاني الحياة، وأصبح حلم العودة إلى بيت مدمر خلف “الخط الأصفر” أقرب إلى المستحيل.
 
(إندبندنت عربية)
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك