في خطوة مفاجئة وغير مسبوقة، أعلنت الحكومة المالية إغلاق حدودها البرية مع موريتانيا، ما أثار مخاوف إقليمية ودولية من تفاقم الأوضاع الأمنية والاقتصادية في منطقة الساحل الأفريقي.
ويتضمن القرار تعليق حركة الترحال الرعوي للمواشي الموريتانية عبر الأراضي المالية، وهو ما يُعدّ ضربة قاسية لآلاف الأسر التي تعتمد على الرعي الموسمي بين البلدين كمصدر رئيسي للعيش.
ويرى مراقبون تحدثوا لموقع "
سكاي نيوز عربية" أنّ هذا القرار يأتي في وقت حساس للغاية، حيث تسيطر جماعة "نصرة
الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم
القاعدة على الطرق الرئيسية بين نواكشوط وباماكو، ما أدى إلى تعطّل حركة الشحنات التجارية واحتجاز شاحنات الوقود.
أزمة ثقة متفاقمة
يعتقد محللون أنّ القرار يعكس أزمة ثقة متزايدة بين باماكو ونواكشوط، إذ تتهم مالي موريتانيا بعدم اتخاذ إجراءات كافية لمنع تسلل الجماعات الإرهابية عبر الحدود، وهو ما تنفيه نواكشوط مراراً.
وقال الباحث الموريتاني بون ولد باهي الداه إنّ العلاقات بين البلدين تدهورت بسبب التحالفات الجديدة للمجلس العسكري الحاكم في مالي مع
روسيا ومجموعة فاغنر، على حساب التعاون التقليدي مع
فرنسا ودول الجوار، ما أدّى إلى تنامي التوترات الإقليمية مع
الجزائر وساحل العاج، وبلغت ذروتها مع إغلاق الحدود مع موريتانيا.
وأضاف أنّ القيادة العسكرية في مالي انتقلت من هيمنة فرنسية إلى هيمنة روسية، لكن بثمن باهظ يتمثل في تدهور العلاقات مع الجيران، واستغلال الجماعات الإرهابية لهذا الفراغ الأمني والسياسي لتوسيع نفوذها.
الوضع الأمني والاقتصادي في مالي
من جانبه، قال ممثل تنسيقية الحركات الوطنية الأزوادية سيد بن
بيلا الفردي إنّ مالي تمرّ بـأسوأ مراحلها الأمنية والاقتصادية، في ظل عجز المجلس العسكري بقيادة العقيد أسيمي غويتا عن مواجهة التحديات المتزايدة.
وأشار إلى أنّ النظام العسكري في باماكو يتآكل من الداخل بسبب سياسات القمع وتكميم الحريات، حيث حُلّت الأحزاب السياسية وأغلقت الصحف وامتلأت السجون بالمعارضين، فيما فُرضت رقابة صارمة على الإعلام وهرب العديد من الناشطين من البلاد.
وأكد بن بيلا أن الجيش المالي المدعوم من فاغنر ارتكب انتهاكات بحق المدنيين دون أن ينجح في إضعاف الجماعات المتشددة، وعلى رأسها تنظيم داعش وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، اللتين تسيطران على مناطق واسعة من البلاد.
وأشار إلى أن الدولة باتت غارقة في الفوضى والعنف، حيث أغلقت المدارس وتوقفت الأنشطة الاقتصادية، فيما أعلنت الحكومة تعليق التعليم في البلاد من 27 تشرين الأول إلى 9 تشرين الثاني 2025 بسبب انقطاع إمدادات الوقود وتدهور الوضع الاقتصادي.
نحو انقلاب جديد؟
في ختام حديثه، لم يستبعد بن بيلا احتمال وقوع انقلاب عسكري جديد في باماكو، معتبراً أن إغلاق الحدود مع موريتانيا قد يكون محاولة لتهدئة الداخل وصرف الأنظار عن الأزمة المتفاقمة.
وحذر من أن الشعب المالي هو الخاسر الأكبر، عالقاً بين الفوضى الأمنية والجماعات الإرهابية من جهة، وسياسات النظام العسكري من جهة أخرى.
وختم بالقول إنّ مالي قد تكون على أعتاب مرحلة جديدة من العنف، مع احتمال تمدد الجماعات المسلحة نحو العاصمة باماكو، في ظل غياب التنسيق الإقليمي الذي يجعل مستقبل البلاد غامضاً ومفتوحاً على كل الاحتمالات.