ذكر موقع "National Security Journal" الأميركي أن "آخر شيء كان
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتوقعه من مخبئه في
موسكو في أوائل عام 2022 هو أن جيشه سوف يُسحق وهو يقاتل من أجل مساحات قليلة من الأرض بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة من الغزو الكامل. والآن، تُحلّق الطائرات الأوكرانية المُسيّرة في سماء
روسيا، بينما تُهاجم كييف مصافي النفط".
وبحسب الموقع، "في الأيام التي سبقت عرض يوم النصر في أيار، كانت الطائرات الأوكرانية المسيّرة تحلق بالفعل قرب موسكو، وصرحت كييف بأن
الصين طلبت من
أوكرانيا عدم مهاجمة الكرملين أثناء حضور رئيسها شي جين بينغ، على الأرجح لأنها تشكك في قدرة موسكو على حمايته. على مدى سنوات، كان المراقبون الروس والأجانب ينظرون إلى بوتين باعتباره رجل دولة ماهراً وحسابياً، زعيم يبدو أن الحظ والتوقيت كانا دائماً في صالحه، حتى التقى جيشه بالأوكرانيين في ساحة المعركة".
وتابع الموقع، "تزامن صعود بوتين إلى السلطة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مع ارتفاع حاد في أسعار الغاز العالمية، مما ملأ خزائن روسيا. ولقد كان هناك عقد اجتماعي قائم طوال فترة رئاسته: كان بإمكان بوتين أن يسعى إلى تحقيق طموحاته الإمبريالية، طالما لم يعانِ المواطنون الروس العاديون على نطاق واسع، وطالما كان بإمكان النخب الباحثة عن الريع نهب موارد البلاد. لقد اعتقد بوتين أن الأمر سهل للغاية بعد غزوه لشبه
جزيرة القرم في عام 2014، عندما كان الغرب خائفًا للغاية من التصرف. لقد كان غزو عام 2022 بمثابة كابوس للكرملين، فبعد أن غرقت روسيا في حرب استنزاف، لجأت إلى هجمات "مفرمة اللحم" على المواقع الدفاعية الأوكرانية، وبدأت الجثث تتراكم. من جانبها، أدركت كييف أن قتل الجنود الروس جماعيًا لن يكفي لإيقافهم، وطالما وُجدت الأموال، سيواصل الروس القتال. لذا، استثمرت أوكرانيا بكثافة في أسطول من الطائرات المسيّرة البعيدة المدى، مُستهدفةً عائدات النفط التي تُموّل آلة الكرملين الحربية".
وأضاف الموقع، "تُدرك كييف أن زيادة الضغط على الشعب الروسي والنخب الروسية أمرٌ أساسي لإنهاء الحرب، وصرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في خطابٍ مُتلفزٍ مُسائيٍّ في أوائل تشرين الأول: "لهذا السبب، لا يُمكن إيقاف هذه الحرب إلا بالضغط". لقد أدت ظاهرة يطلق عليها الخبير الاقتصادي الروسي فلاديسلاف إينوزيمتسيف اسم "اقتصاد الموت" إلى خلق طبقة متوسطة اصطناعية جديدة في روسيا، فبالنسبة للعديد من الناس، أصبحت الحرب وسيلة لكسب دخل لم يكن من الممكن أن يحصلوا عليه لولا ذلك. أحيانًا تشجع الأمهات والزوجات أحباءهن على التطوع بدلًا من الوقوع في البطالة أو إدمان الكحول، إذ إن تعويضات الوفاة وأجور ساحة المعركة قد تُثري الأسرة. ومع مرور الوقت، أصبح العديد من الروس مرتاحين لتكاليف الحرب".
وتابع الموقع، "قال بوتين، مخاطبًا النساء الروسيات اللواتي فقدن أبناءهن في الحرب في تشرين الثاني 2022، لإحدى الأمهات: "يموت بعض الناس بسبب الفودكا، وتمر حياتهم مرور الكرام. لكن ابنكِ عاش حقًا وحقق هدفه. لم يمت عبثًا". ومع ذلك، بدأ هذا الاستقرار الهش يتصدع، وبدأت الغارات الجوية المتواصلة بالطائرات المسيّرة من أوكرانيا تُبدد هذا الشعور بالرضا، وقد أدت الهجمات على مستودعات الوقود والبنية التحتية للطاقة إلى نقص واسع النطاق في الوقود، وظهرت سوق سوداء مزدهرة للبنزين في بعض المناطق. في البداية اشتكى الناس من ارتفاع الأسعار، ثم اشتكوا من المضخات الفارغة في كل أنحاء روسيا. وفي أيلول، نفدت محطات الوقود في موسكو والمنطقة المحيطة بها من البنزين 92 و95 أوكتان الأكثر شعبية في روسيا، مما أجبر السائقين على البحث في محطات متعددة مع ارتفاع الأسعار إلى ما يزيد عن 100 روبل للتر".
وبحسب الموقع، "ذكرت وسائل إعلام روسية مؤخرا أن كبار السن الروس الذين يتذكرون انهيار الاتحاد السوفييتي يقومون الآن بتخزين الأطعمة التي لا يمكن تخزينها تحسبا لمزيد من النقص الناجم عن نقص الوقود. وعانت مدن مثل بيلغورود من انقطاعات متكررة للكهرباء بعد الإضرابات الأوكرانية على مواقع الطاقة، وقال زيلينسكي: "لا يمكن السماح لهم بالشعور بالراحة. وعندما يشعرون بعدم الارتياح، سيبدأون بطرح الأسئلة على قيادتهم". في موسكو ومناطق أخرى، على مدار عام 2025، شهدت المطارات توقفًا أو تأخيرًا متكررًا للرحلات الجوية بسبب هجمات الطائرات الأوكرانية المسيّرة. وبين كانون الثاني وأيار، أُغلقت المطارات الروسية 217 مرة بسبب هجمات الطائرات الأوكرانية المسيّرة، مما أدى إلى تعطل عشرات الآلاف من المسافرين وتكبد شركات الطيران خسائر تزيد عن مليار روبل. وفي 22 أيلول، ذكرت صحيفة موسكو تايمز أن أكثر من 200 رحلة جوية تأخرت أو ألغيت في العاصمة الروسية بعد هجوم جماعي بطائرة من دون طيار".
وتابع الموقع، "غالبًا ما تعتمد طائرات كييف المُسيّرة البعيدة المدى على شبكات الهاتف المحمول الروسية للملاحة والاستطلاع، مما دفع الكرملين إلى فرض انقطاعات واسعة النطاق للتيار الكهربائي في عشرات المناطق. وتضاعفت هذه الانقطاعات ثلاث مرات منذ حزيران، مُكلّفةً روسيا ما يُقدّر بـ 557 مليون دولار أميركي في الساعة من خسائر الإنتاجية، منها 115 دولارًا أميركيًا في موسكو وحدها. كما تتقلص الميزانية العسكرية لموسكو لأول مرة منذ عام 2022، حيث انخفضت من 163 مليار دولار إلى 156 مليار دولار في ظل التضخم والعقوبات. من جانبه، يقوم بوتين برفع الضرائب وخفض الإنفاق للحفاظ على استمرار الحرب. وانخفضت عائدات صادرات النفط والغاز الروسية بنحو 25% في أيلول مقارنةً بالشهر عينه من العام الماضي. وفي حديثه في 19 تشرين الأول، صرّح زيلينسكي بأنه يتوقع أن تواجه روسيا عجزًا في الميزانية يقارب 100 مليار دولار بحلول عام 2026".
وأضاف الموقع، "في الوقت عينه، تعمل أوكرانيا على توسيع إنتاجها من الصواريخ البعيدة المدى وأنظمة الضرب المصممة لزيادة الضغط على خطوط الحياة اللوجستية والطاقة لروسيا، وهو ما من شأنه أن يزيد من الألم الاقتصادي للكرملين. كذلك، تشهد شركات الدفاع الأوكرانية ابتكارات متسارعة. فإذا واصلت أوكرانيا شنّ غارات جوية مكثفة على المصانع التي تدعم المجهود الحربي للكرملين، فستُجبر روسيا على توسيع دفاعاتها الجوية الضعيفة أصلًا، وهذا بدوره سيسمح لموجات أكبر من الطائرات الأوكرانية المسيّرة بزيادة الضغط على موسكو، وحتى سانت بطرسبرغ، مما سيجبر النخب السياسية والاقتصادية هناك على مواجهة خطر الحرب في الداخل".
وختم الموقع، "إذا كان التاريخ دليلاً، فبمجرد أن تشتد ضغوط الحرب على سكان موسكو، فإن حتى جدران الكرملين لن تتمكن من الصمود دون أن تهتز".