ذكر موقع "The Arab Weekly" الأميركي أنه "ولأكثر من عقد من الزمان، وُصِف
الشرق الأوسط بأنه منطقة في حالة انهيار دائم. فقد فشلت الثورات، وتآكلت الدول، وتضاعفت الحروب، وتدهورت المؤسسات، وتحدث الدبلوماسيون الغربيون عن خرائط طريق ومعايير، بينما وعدت النخب المحلية بخطة إنقاذ أخيرة تلو الأخرى. لكن كلمة "انهيار" لم تعد الكلمة المناسبة".
وبحسب الموقع، "ما يشهده الشرق الأوسط الآن هو شيء أكثر برودة وهدوءًا وحسمًا: الانتقاء. إن المنطقة لا تُصلح نفسها، بل تُصنّف وتُفرّق بين الأنظمة القادرة على العمل وتلك العاجزة، وبين النخب المفيدة وتلك التي أصبحت عبئًا، وبين الحدود التي لا تزال تُرسّخ النظام وتلك التي لا وجود لها إلا على الورق. هذه ليست عملية تفاوضية، ولا يحركها توافق أو رؤية، بل يفرضها الإنهاك. لقد كانت فكرة أن الأزمات تُفضي إلى الإصلاح مجرد وهم مُريح. نظرياً، يُفترض أن يُجبر الانهيار الاقتصادي على المساءلة، وأن تُعزز الحرب المؤسسات، وأن يُولد الغضب الشعبي قيادة جديدة، لكن في الواقع، حدث العكس تماماً، فقد أصبحت الأزمة آلية تصفية. فلم تعد الدول تُقيّم بناءً على شرعيتها أو أيديولوجيتها أو حتى سيادتها، بل تُقيّم بناءً على فائدتها لشعوبها، وللقوى الإقليمية المؤثرة، وللجهات الفاعلة الخارجية التي لم تعد تتظاهر بالإيمان بالتغيير".
وتابع الموقع، "في هذا السياق، تبرز ثلاث فئات واسعة. أولاً، الدول ذات التماسك القوي: وهي الدول التي تتمتع بهياكل قيادة واضحة، وقرارات قابلة للتنفيذ، وقدرة على استيعاب الصدمات، ومن بين هذه الدول كل من
إسرائيل وإيران. قد تكون هذه الدول في خضم صراعات، لكنها تبقى متماسكة. ثانياً، هناك الدول ذات النزعة النفعية، وخاصة في منطقة الخليج. لا تكمن قوتها في الأيديولوجية أو العسكرية، بل في الإدارة. هذه الدول لا تسعى إلى إعادة تشكيل المنطقة، بل إلى عزل نفسها عنها. وثالثًا، هناك دول جوفاء:
لبنان، والعراق، واليمن، وليبيا، دولٌ توجد فيها مؤسسات، لكن السلطة غائبة. هذه الأنظمة لا زالت قائمة، لكنها لم تعد تتخذ القرارات. إنها تمتص الضغوط إلى أن يقرر مصيرها شيءٌ خارجي".
نهاية وهم الإصلاح
بحسب الموقع، "لم يختفِ خطاب الإصلاح، لكنه تراجع دوره، وبات يُستخدم الآن كزينة دبلوماسية بدلاً من كونه طموحاً سياسياً. ولا تزال الجهات الفاعلة الدولية تتحدث عن الحوكمة والشفافية وبناء القدرات، لكنها لم تعد تُنظّم استراتيجياتها حولها. بدلاً من ذلك، أصبح السؤال الأساسي أبسط: هل يمكن لهذا النظام تحقيق نتائج بتكلفة مقبولة؟ إذا كانت الإجابة لا، فإن الاستجابة ليست إنقاذاً، بل احتواءً، ويقدم لبنان أوضح مثال على ذلك. لسنوات، تم تصوير انهياره على أنه خلل مؤقت، برنامج آخر لصندوق النقد الدولي، تسوية سياسية أخرى، حوار وطني آخر. اليوم، لا يعتقد أي طرف فاعل جاد أن النظام سيُصلح. والسؤال ليس كيف ننقذ الدولة، بل كيف نمنع شللها من نشر عدم الاستقرار إلى الخارج".
وتابع الموقع، "لقد تعلم الشرق الأوسط التعايش من دون حلول، ومن أبرز الدلائل على بدء عملية إعادة الهيكلة هو تغير دور الميليشيات والجهات الفاعلة غير الحكومية. لسنوات، صُوِّرت الميليشيات على أنها قوة صاعدة، ومرنة، وذات توجهات أيديولوجية، ومندمجة في المجتمع، وقد ملأت الفراغ الذي تركته الدول. تلك المرحلة ستنتهي، ليس لأن الميليشيات فقدت قوتها، بل لأنها أصبحت مكلفة. يتطلب الحفاظ على الشبكات المسلحة والاقتصادات الموازية والتعبئة الدائمة موارد وشرعية وتسامحًا خارجيًا، ومع مواجهة الدول الراعية قيودًا مالية واستراتيجية، تُجبر الميليشيات على تبرير تكلفتها. بعضها يتكيف من خلال ترسيخ وجوده مؤسسيًا، وبعضها الآخر يتصلب، وقليل منها سيُنبذ بهدوء. هذا لا يعني نزع السلاح، بل يعني تحديد الأولويات".
وأضاف الموقع، "يتجلى هذا المنطق بشكل متزايد في الموقف الإقليمي لإيران، وكذلك في انسحاب دول الخليج من المعارك الأيديولوجية. حتى العقيدة العسكرية
الإسرائيلية باتت تركز على استخدام القوة المحدودة والمضبوطة بدلاً من المواجهة المفتوحة. المنطقة لا تتجه نحو نزع السلاح، بل هي منطقة تعاني من فوضى التقنين، ولا شيء يوضح ديناميكية الفرز بشكل أكثر وضوحاً من الحرب في غزة".
منطق إقليمي جديد
بحسب الموقع، "لن يُحسم مستقبل المنطقة من خلال صفقات كبرى أو خطط سلام شاملة، بل سيتشكل من خلال الإقصاء التدريجي، الذي يتم من خلاله تجاهل الفاعلين أو تجاوزهم أو تهميشهم بهدوء. إن المرحلة المقبلة في الشرق الأوسط لن تخضع للتفاوض، بل ستُفرض بالصبر والتحمل. كان الإصلاح لغة العصر الماضي، أما البقاء فهو قواعد هذا العصر، وفي الشرق الأوسط اليوم، لم يعد البقاء على قيد الحياة حقاً مكتسباً. إنه اختبار".