Advertisement

عربي-دولي

صفقة القرن مرآة الانكسار والتخاذل العربي

خاص "لبنان 24"

|
Lebanon 24
01-07-2019 | 02:20
A-
A+
Doc-P-602591-636975696410111743.jpg
Doc-P-602591-636975696410111743.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
لماذا سُمّيت صفقة القرن؟
في 2 تشرين الثاني 1917م، بعث وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور رسالةً إلى ليونيل والتر روتشيلد، وهو زعيم يهودي بريطاني بوعد اشتمل في نصه على تقديم بريطانيا دعمها لليهود لإقامة وطن قومي لهم في دولة فلسطين، حيث عُرف بوعد بلفور والذي أسّس لقيام دولة لليهود في فلسطين المحتلة سُميت "إسرائيل". لذلك نستطيع أن نطلق عليه "وعد القرن" العشرين. والآن وبعد مئة عام من هذا الوعد طرحت الإدارة الأميركية خطة تسوية وتصفية نهائية للقضية الفلسطينية أُطلق عليها اصطلاح "صفقة القرن The Deal of the century". ونلاحظ من خلال التسمية عقلية الرئيس الأميركي دوناد ترامب في ثناياها، هذه العقلية التجارية والرأسمالية والتي تنظر إلى كل شيء في الحياة على أنه صفقة ذات مردود مالي واقتصادي وأعباء متوجبة وأطراف تعقدها، وغالباً ما تأتي الصفقة لصالح المفاوض القوي عبر فرض شروطه. وسميت "القرن" لأنه مر قرن على وعد بلفور، وكذلك إن تحققت بنودها ستكون أهم حدث سياسي في هذا القرن. 
Advertisement

فريق الصفقة
فقد تمّ اختيار فريق أمريكي للعمل، ويضم هذا الفريق كلاً من:
1. مايك بومبيو Mike Pompeo: وهو أول شخص في التاريخ الأمريكي ينتقل من رئاسة المخابرات المركزية الأمريكية إلى منصب وزير الخارجية الأمريكي، وهو صاحب الدعوة الواضحة الأبعاد بأن تكون "إسرائيل" هي النموذج المحتذى لدول الشرق الاوسط.
2. جاريد كوشنير Jared Kushner: وهو ينتمي لأسرة يهودية ويحظى بشعبية كبيرة بين المستوطنين في الضفة الغربية والقدس.
3. ديفيد فريدمان David Friedman: السفير الأمريكي في "إسرائيل"، وهو يترأس مجموعة لمساندة مستوطنة بيت إيل السابقة الذكر وهي مجموعة الأصدقاء الأمريكيين لمؤسسات بيت ايلوهو يرى أن نموذج غزة وما آلت له الأمور فيها لا يشجع على إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية.
4. جيسون غرينبلات Jason Greenblatt: وهو الممثل الخاص للرئيس في المفاوضات الدولية منذ كانون الثاني 2017 (بما في ذلك الشرق الاوسط). وهو مستشار ترامب للشأن الإسرائيلي، وتشير بعض المراجع أن مصادر معلوماته عن المنطقة والصراع العربي الإسرائيلي يتلقاها بشكل رئيسي من مصدرين هما رسائل البريد الإلكتروني القادم من اللوبي اليهودي المعروف بالآيباك وبرنامج إذاعي يشرف عليه رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية في أمريكا، وهو من المعتقدين أن أنسب طريقة لإعادة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات هو الضغط الاقتصادي.
5. جون بولتون John Bolton: وهو مستشار الأمن القومي الأمريكي منذ 2018، ويعد من أعتى صقور الإدارة الأمريكية الحالية، وهو من أشد المؤيدين لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس. كما أنه من دعاة إعادة قطاع غزة للسيادة المصرية والضفة الغربية للأردن.

مفاعيلها السياسية (سأفرد مقالة مخصصة للبعد الاقتصادي)
إن صفقة القرن مثلها مثل جميع خطط ومقترحات التسوية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية لصالح اليهود وضمان أمن الكيان الإسرائيلي الغاصب بالدرجة الأولى، وضرب حركات المقاومة لهذا الكيان. كما لفتت المندوبة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي إلى إنها انها تضع أمن "اسرائيل" أولًا. إن صفقة القرن تلغي نهائياً حق الشعب الفلسطيني بفلسطين وتمنع عليهم إقامة دولة لهم في فلسطين التاريخية، وأيضاً تصادر حق الأجيال القادمة بالمطالبة بأرضهم ووطنهم. فالبند الأول من الصفقة يدعو إلى إنشاء دولة في غزة والضفة الغربية وجزء من سيناء تسمّى فلسطين الجديدة. أما فلسطين التاريخية فتلغى من القاموس السياسي والجغرافي لتصبح "إسرائيل" واقعاً مكرساً بشرعية القانون الدولي وباعتراف النظام العربي الرسمي. وبذلك يبدأ اليهود بتحقيق حلمهم التوراتي والذي يروّج له "اليمين المسيحي الإنجيلي" والصهيونية، أي وجوب قيام "دولة إسرائيل" والتمهيد لعودة المسيح مرة ثانية لمحاربة الشر على الأرض بعدما تحصل إعادة تجميع لليهود في فلسطين، وبناء الهيكل في "أورشليم"، للوصول في نهاية المطاف إلى مطمعهم الأساسي " من الفرات إلى النيل". إن فلسطين الجديدة تضم غزة والضفة الغربية وظهيراً شاسعاً من الأراضى المقتطعة من شمال سيناء يصل إلى 720 كيلومتراً مربعاً، ويبدأ من الحدود المصرية مع غزة، وحتى حدود مدينة العريش، على أن تحصل مصر على 720 كيلومتراً مربعاً أو أقل قليلا في برية پاران داخل صحراء النقب الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية (بحسب مشروع آيلاند مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق عام 2010). على أن يحل ميناء العريش بديلاً لميناء غزة وتطويره ليصبح ميناءً تجارياً، وتجهيز هذه الدولة المستحدثة بجميع المقومات والمتطلبات اللازمة من مطارات وموانئ وبنى تحتية لتحقيق الازدهار الاقتصادي وتخلي الشعب الفلسطيني عن البندقية لاسترداد حقه، حيث لن يعود له حق وعليه استرجاعه. هذه الدولة الهجينة لن يكون لها جيش - بحسب البند السابع- بل ستوكل مهام الدفاع عنها إلى الجيش الإسرائيلي وتتكفل الدول العربية بتسديد أتعابه بدل الحماية أي كأننا امام سجن كبير مؤمّن له جميع أنواع الراحة والرفاهية، وأيضاً تخلّي حركة حماس عن السلاح على أن يقبض أفرادها معاشات شهرية مغرية وهم يحتسون الشاي في مقاهي غزة ويسقطون الطائرات الإسرائيلية بالأشعار والنكات. والصفقة تمنح اليهود الحق في ضم التجمعات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، إلى جانب فرض السيادة الإسرائيلية على كامل القدس وعلى غور الأردن. ولعل أبرز المتضررين المملكة الأردنية في ظل الحديث عن تحويلها إلى سلطة حكم ذاتي بلا قرارات، ونهاية حكم العائلة الحاكمة الذي دام لعشرات السنين. يأتي من بعدهم دول الخليج التي ستتحمل 70 % من أعبائها المالية وإلا عروشها مهددة بالاستبدال.

هل صفقة القرن قابلة للتنفيذ؟  
يعتقد الكثيرون أنه من الصعوبة بمكان بل باستحالة تطبيق هذه الصفقة لأسباب عديدة في مقدمتها عدم وجود طرف فلسطيني يقبل توقيع الاتفاقية الناجمة عنها، ناهيك عن رفض الشعب الفلسطيني والشعوب العربية لها، إضافة إلى عدم إجماع دولي حولها. وقبل الإجابة على الإشكالية لا بد من استقراء التاريخ فيما خصّ القضية الفلسطينية. فوعد بلفور الذي تبنّى إنشاء وطن قومي لليهود جاء بعد اتفاقية سايكس- بيكو التي فتّت الأمة العربية إلى دويلات وإمارات متناحرة. وأتى إعلان قيام الكيان الإسرائيلي في العام 1948 بعد الحرب العالمية الثانية واقتصادات عربية منهارة نتيجة هذه الحرب، وإجماع دولي على الاعتراف ودعم هذا الكيان المسخ. وبالرغم من دفاع الشعب الفلسطيني آنذاك عن أرضه ومقدساته إلا أنه لم يلق الدعم الرسمي العربي المطلوب سوى بالشجب والاستنكار واستقبال اللاجئين الهاربين من بطش العصابات اليهودية، وحتى الدعم الشعبي كان محدوداً. وما أشبه هذه الظروف باليوم مع مفارقة واحدة جوهرية. فأغلب الدول العربية تعيش اليوم حالات من الحروب والاقتتالات الداخلية، وبعضها الآخر يعاني من اقتصاديات متدهورة وعجوزات مالية مرهقة، لا يعنيها ما يحدث من تطورات في القضية الفلسطينية. ومن المؤكد أن الشعب الفلسطيني سيقاوم ويقاوم وسيلقى التأييد الشديد واللامتناهي من الشعوب العربية على الفايس بوك وعلى منصات التواصل الاجتماعي. وسيخوض الشعب العربي معارك طاحنة وحروب شعواء مضحين بالغالي والنفيس من الجهد والمال والوقت ولكن بألعاب البابجي والفورت نايت. ففلسطين والقدس والأقصى غابت عن الضمير العربي المحتضر. وأصبحنا أمام أجيال فقدت هويتها وتعاني حالة من الانكسار النفسي. وإن المفارقة الواحدة الجوهرية هي قبول العديد من الدول العربية بهذه الصفقة بل ودعمهم المطلق لها، والذين استحوا ماتوا في القاموس العربي.

إنّ الأمل الوحيد في إفشال هذه الصفقة وفي إرجاع فلسطين والقدس إلى أهلها هو بالبندقية. فما زال هناك طائفة في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم، وسيأتي أمر الله بالنصر. والخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة. 


(د. أيمن عمر - باحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية)
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك