أثيرت تساؤلات كثيرة عن سبب مسارعة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى مد جسر التفاوض مع إيران رغم مسار التصعيد الذي تعتمده الأخيرة. وفي هذا الصدد، يقدم رئيس مركز السياسة الأمنية فْرَد فليتز ثلاثة أسباب تفسر الخطوة عبر شبكة "فوكس نيوز" الأميركية.
أعلنت الإدارة الأميركية في الأسبوع الماضي أنها راغبة في إطلاق محادثات مع إيران دون شروط مسبقة، وأنها قبلت دعوة الدول الأوروبية للتوسط لعقد مثل هذا اللقاء. في الوقت نفسه، رفعت الإدارة عقوبات عدة عن إيران بما فيها قيود على سفر مسؤولين إيرانيين فرضتها الإدارة السابقة.
ويرى فليتز أن توقيت الإعلان مثير للاستغراب على ضوء زيادة إيران تهديداتها وتمردها مثل الهجوم على قاعدة عسكرية في العراق في الأسبوع الماضي، وتصعيد الحوثيين الإرهابيين هجماتهم ضد أهداف مدنية في اليمن، والسعودية. وسرعت طهران برنامجها للأسلحة النووية بإنتاج معدن اليورانيوم وزيادة تخصيبه.
واستغرب فليتز أيضاً إقدام الإدارة على تغيير سياسي ضخم مماثل، دون مراجعة سياسية كاملة، وبعد نقاشات سريعة قليلة مع مسؤولين خارجيين، ورغم أنه لم يمض على وجود بايدن شهر كامل في البيت الأبيض، حين قدمت الإدارة عرضها. وحتى الأحد، لم يتحدث بايدن إلا إلى مسؤول سياسي واحد في الشرق الأوسط، وهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.
علاوة على ذلك، استخدمت طهران صواريخها البالستية وطائرات دون طيار، لمهاجمة قواعد عسكرية أميركية في العراق، ومنشآت نفطية سعودية في السنتين الماضيتين. وثمة دليل دامغ على غش إيراني كبير في الاتفاق مع مواصلة طهران تطوير برنامجها السري للأسلحة النووية. إذاً ما هي أسباب تعجل بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي؟
ويشير فليتز، إلى هوس بايدن بقلب القرارات التي اتخذها سلفه ترامب. كان ذلك واضحاً في عشرات الأوامر التنفيذية التي وقعها بايدن خلال اليوم الأول لتوليه الرئاسة.
ورأى معظم الديموقراطيين في الاتفاق النووي إنجازاً وإرثاً في سياسة أوباما الخارجية، ولهذا السبب، يبدي بايدن على الأرجح التزامه بالعودة إلى الاتفاق في أسرع وقت ممكن، وبالنسبة إلى بايدن ومساعديه، فإن العودة إلى الاتفاق النووي، انتقام، ومسألة شخصية.
والسبب الثاني المرجح، بحسب فليتز، هو أن الكثير من مساعدي بايدن عملوا على صياغة الاتفاق النووي في عهد أوباما. ولذلك يظنون أنهم يعرفون كل ما يحتاجونه عن هذا الملف وبالتالي، يعتقدون أنه لا ضرورة لمراجعة سياسية.
ولم يرَ هؤلاء أي حاجة للتشاور مع قادة دول الشرق الأوسط، قبل أن يوافق بايدن على إرسال ديبلوماسيين أميركيين إلى لقاء محتمل مع مسؤولين إيرانيين.
ويصف الكاتب هذا الأمر بعنجهية، تدعي معرفة كل شيء، كانت سائدة خلال إدارة أوباما.
ويضيف أن هذا السبب دفع أوباما إلى مقاطعة مقدّمي الموجزات الاستخبارية اليومية. أضر هذا الموقف بآلية صناعة أوباما لقراراته خاصةً في المسائل المتعلقة بتهديدات داعش، ويمكن أن يضر أيضاً بإدارة بايدن. فرغم خبرته بالعمل على الملف النووي، سيتعلم فريق بايدن الكثير بالاطلاع على الاستخبارات التي جمعت في السنوات الأربع الماضية، ومن خلال التشاور بدقة مع المسؤولين الأجانب، والخبراء الحكوميين الأمريكيين، وسيكتشف المسؤولون في إدارة بايدن بعد الحديث إلى قادة دول الشرق الأوسط أن معظمهم أيد سياسة ترامب، ويعارض بشدة عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي.
إشارة سيئة
قد يكون سبب تحرك بايدن السريع لإطلاق المفاوضات النووية مع إيران تصعيد طهران لاستفزازاتها وتهديداتها، وسيكون الأمر مثيراً للقلق إذا تبين أن ذلك صحيح، لأنه يعني أن بايدن يخضع لابتزاز طهران. وسيرسل ذلك إشارة إلى الإيرانيين مفادها أنه بإمكانهم التلاعب بصناعة القرار الأميركية بالعنف. لذلك، على المسؤولين في إدارة بايدن تطمين الشعب الأميركي والعالم على أن هذا الأمر غير صحيح.
ويؤكد فليتز في الختام أن صناعة السياسة الخارجية بشكل منطقي وكفوء لا تحتمل الاستعجال. يجب أن تكون هنالك مداولات ومراجعات دقيقة للمعلومات الاستخبارية لضمان اتخاذ الرئيس قرارات مبنية على أفضل المعلومات الموضوعية. إن الاستعجال للعودة إلى الاتفاق النووي بسبب كره ترامب، أو الاعتقاد بامتلاك كل المعلومات المطلوبة أو بسبب التهديدات الإيرانية، سيتسبب في نتائج سيئة حتماً، ويتعرض الأمن الأميركي والعالمي للخطر إضافة إلى الإضرار بمصداقية أميركا حول العالم.