منطقة الجنوب السوري تكتسب خصوصيتھا من أھمية موقعھا الجغرافي الحدودي مع فلسطين المحتلة والأردن، عدا عن قربھا من العاصمة السورية، ولأنھا منطقة استراتيجية كان من الطبيعي أن تكون الھدف التالي بعد الغوطة الشرقية.
تحرك الجيش السوري لاستعادة سيطرته على الجنوب السوري سيكون إما عن طريق القوة والحسم العسكري، وإما عن طريق المصالحة والتسوية والاستسلام على غرار ترتيبات طبقت في محيط دمشق وريفھا على قاعدة ترحيل الفصائل المسلحة الى إدلب.
لكن الذي حصل في الجنوب السوري، وانطلاقا من درعا، كان مزيجا من الحسم والتسوية. فمن جھة عملية عسكرية بدأھا الجيش السوري في درعا، وبغطاء جوي روسي، ومن جھة ثانية تفاھمات روسية ـ أميركية، وبعد عودة درعا الى حضن دمشق والى سيطرة الجيش السوري، ستقفل جبھة الجنوب السوري ولا يعود لإعلان نھاية الحرب رسميا إلا إقفال ملف إدلب في الشمال.
ھذه التفاھمات الأٌقرب الى "صفقة" تعزز فرضية الانسحاب الأميركي الذي يستعجله الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الشأن السوري بشقيه السياسي والعسكري. وقبل صفقة الجنوب، شھد العالم صفقة أميركية ـ تركية في الشمال لسحب المقاتلين الأكراد من مدينة منبج الحدودية. الأميركيون تخلوا عن "الجيش الحر" في الجنوب وعن الأكراد في الشمال، ويظھرون ميلا واضحا الى التخلص من إلتزاماتھم ازاء الفصائل العسكرية، أكرادا وعربا، شمالا وجنوبا. لذلك شملت المشاورات الأميركية في هذه الصفقة موقف الإسرائيليين أيضا، في وقت توقعت "تل أبيب" الھجوم السوري ـ الروسي وتتخوف من اقتراب "حزب لله" وإيران من خط وقف النار مع الكيان الاسرائيلي في قلب الجولان .
وفي تفاصيل اللقاء الروسي ـ الأميركي كانت الرسالة الإسرائيلية حاضرة، فتم التوافق على ترتيبات نھائية على خلفية التطورات الميدانية الجارية حاليا في المنطقة، خصوصا وأن واشنطن أعلنت عدم نيتھا التدخل عسكريا، والخطوط العريضة للاتفاق باتت واضحة نسبيا: عودة الدولة السورية الى كامل مناطق الجنوب، وعودة الجيش السوري الى الحدود، وإقامة منطقة عازلة موازية لخط الھدنة في الجولان ، وإعادة العمل باتفاقية الفصل بين قوات الاحتلال الاسرائيلي والقوات السورية لعام 1974، بما في ذلك إعادة نشر قوات الأمم المتحدة لمراقبة فك الاشتباك.
خبراء في شؤون الشرق الأوسط يرون أن قرار إعادة الجنوب السوري إلى حضن الدولة السورية كان ثمرة تفاهمات دولية بين موسكو وواشنطن، على قاعدة "ضبط" الحضور الإيراني في سوريا في مقابل وعد بمغادرة القوات الأميركية قواعدھا في شرق ھذا البلد وشمال شرقه، ووقف التصريحات المطالبة برحيل الرئيس بشار الأسد واستعجال المرحلة الانتقالية، وتسھل عملية الإصلاحات التي رسمتھا موسكو لإدخال بعض الإصلاحات الدستورية تمھيداً لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 2021 بعد نھاية الولاية الحالية للرئيس الأسد.
لكن، الكرملين يعرف أن قدرته على تقليص النفوذ الإيراني تظل لھا حدود ومحاذير. مثلما يعرف أن الرئيس ترامب يرغب قبل حلول موعد الانتخابات النصفية أن يعلن نھاية الحرب على "داعش"، وكذلك قراره بسحب قواته من سوريا، من دون أن تنسحب ھذه القوات فوراً كما ترغب موسكو ودمشق. ھدفه دعم مواقف الحزب الجمھوري عشية الانتخابات. كما أن صقور الإدارة يعون بالتأكيد أن استعجال سحب القوات من سوريا يجرد واشنطن من أي أداة للضغط إذا أخلت موسكو بوعودھا، أو عجزت عن الوفاء بھا.
(العالم)