قد تنجح سريلانكا في تجاوز أزمة الصرف الأجنبي المُلحّة إذا تلقت حُزَم إغاثة ثنائية وتحسّنت الصادرات والتحويلات المالية والسياحة بوتيرة ثابتة، وتأمل الحكومة على الأرجح أن تتراجع المشاكل الاقتصادية وتدابير التقشف بما يكفي بحلول عام 2024، حين تضطر لمواجهة الناخبين مجدداً.
تواجه سريلانكا انهياراً اقتصادياً حاداً، حيث تضرر عدد كبير من البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط بسبب أزمة كورونا، لكنّ الجزيرة التي تشمل 22 مليون نسمة تدخل في خانة الدول الأكثر تضرراً، حيث تشهد سريلانكا أسوأ انكماش اقتصادي في تاريخها، وتتعامل مع مستويات مريعة من الدين الحكومي والتضخم المتصاعد، وتواجه أزمة في الصرف الأجنبي وشحّاً في معظم المواد الأساسية، وتقف طوابير طويلة من الناس خارج محطات البنزين، وتنقطع الكهرباء باستمرار، وتفتقر المتاجر إلى الأدوية وضرورات أخرى، ففي شهر أبريل، عجزت الحكومة عن تسديد ديونها الخارجية، مما يعني أنها قد تضطر لتلقي برنامج قروض من صندوق النقد الدولي.
منذ أواخر شهر آذار، ينزل المحتجون إلى الشوارع للمطالبة باستقالة الرئيس غوتابايا راجاباكسا لأنهم يلومونه على الاضطرابات الاقتصادية الحاصلة، ويتمسك راجاباكسا بمنصبه حتى الآن، لكن بدأت الظروف السياسية من حوله تُزعزع مكانته، فاستقال معظم الوزراء من حكومته، وخسر الائتلاف الحاكم الذي يقوده معظم مقاعده في البرلمان، ولإنقاذ الاقتصاد يجب أن يحاول الرئيس الاستفادة من خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، وهذا البرنامج قد يمنح سريلانكا فرصة لتجديد استقرار اقتصادها، حتى لو كان يترافق مع مخاطر سياسية كبرى على الحكومة، لكن من دون مساعدة صندوق النقد الدولي، لا مفر من أن ينهار الاقتصاد ويمزق معه النسيج الاجتماعي السريلانكي.
أدى الإنفاق الحكومي الاستثنائي خلال أزمة كورونا إلى تفاقم الاختلالات الاقتصادية الكلية، فكانت الحكومة السريلانكية تميل أصلاً إلى تفضيل السياسات الاقتصادية الشعبوية قبل تفشي الوباء، وتراجع راجاباكسا، فور انتخابه في نوفمبر 2019، عن برنامج قائم مع صندوق النقد الدولي، فخفّض الضرائب التي أضعفت الإيرادات بنسبة 25% قبل أن يأتي الوباء ويفرغ خزينة الدولة، ثم أدت طباعة الأموال بكميات هائلة إلى انهيار قيمة عملة الروبية، ولم يتحسن الوضع ظاهرياً إلا بعدما فرض البنك المركزي السريلانكي معدل تحويل غير واقعي، مما أدى إلى تسريع استنزاف العملات الصعبة المتبقية.
ثم أدت ندرة العملة الصعبة في المرحلة اللاحقة إلى وقف واردات ضرورية مثل الحليب المجفف والغاز والبترول، وترافق هذا النقص في المواد الأساسية مع ظهور الطوابير في كل مكان، وانقطاع الكهرباء، وارتفاع الأسعار، وبلوغ التضخم مستوىً غير مسبوق منذ 13 سنة (17%) في فبراير 2022، وفي المقابل، أطلقت المصاعب الاقتصادية المستجدة دعوات متزايدة لمطالبة الحكومة بوقف تسديد الدين وبدء عملية مختلفة لإعادة هيكلة الديون تزامناً مع قبول خطة الإنقاذ من صندوق النقد الدولي، وسيكون هذا المسار الحل العملي الوحيد للخروج من الأزمة.
سريلانكا بحاجة إلى الأصدقاء
تردّدت الحكومة السريلانكية بكل وضوح في اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، فقد كانت تخشى أن تضعف قدرتها على تقديم الإعانات المالية لجميع الأطراف نتيجة تدابير التقشف المالي التي يطالب بها الصندوق، بما في ذلك تخفيض النفقات وزيادة الضرائب، لكن فشلت الحكومة أيضاً في طرح خطة بديلة ومقنعة لمعالجة أزمة الديون ونقص العملات الأجنبية، وللتعامل مع الأزمة المُلحّة، فضّلت الحكومة الاتكال على حل مؤقّت يرتكز على عقد اتفاقيات ثنائية بين الحكومات لمقايضة العملات، وتأمين خطوط الائتمان على المدى القصير، وبيع الأسهم لصالح الاستثمارات الخارجية المباشرة، بما في ذلك بيع حصص الحكومة في الفنادق والعقارات وقطاع الطاقة.
تحمل هذه الاستراتيجية مخاطر كبرى في جميع الظروف، فقد يكون الاتكال على العلاقات الثنائية خطيراً، لا سيما إذا تزامن مع احتدام المنافسات الجيوسياسية، وتُعتبر الصين أكبر دائنة ثنائية لسريلانكا، وقد بدأت بصمتها تتوسع في البلد، أما حصة الهند فقد تكون أصغر حجماً، لكن يملك هذا البلد حتى الآن تأثيراً قوياً على سريلانكا نظراً إلى نفوذه السياسي والاقتصادي في جنوب آسيا، وردّت الصين والهند معاً على مطالبات سريلانكا بتلقي المساعدات الاقتصادية عبر مقايضة العملات وتأمين خطوط الائتمان، لكن هذه الصفقات تأخرت إلى أن تعالج الحكومات المعنية خلافاتها وراء الأبواب المغلقة.
استاءت نيودلهي مثلاً من إلغاء اتفاق يسمح للهند واليابان بتطوير وتشغيل محطة أساسية في ميناء كولومبو، واليوم، سلّم المسؤولون في سريلانكا معظم حصصهم في محطة بديلة داخل ميناء كولومبو إلى شركة هندية، وسمحوا للهند أيضاً بمتابعة تنفيذ مشروع استثماري تأجّل لفترة طويلة في قطاع البنية التحتية للنفط على طول الساحل الشرقي لسريلانكا، وأعلنت الهند من جهتها تقديم حزمة من المساعدات الاقتصادية إلى سريلانكا في شهر يناير، وقد بدأت هذه الإعانات تصل أخيراً بعد فترة من التأخير.