Advertisement

لبنان

توفي أمام ناظري أهله وبات اليوم المنقذ: هكذا تنجون من الموت المفاجئ!

ربيكا سليمان

|
Lebanon 24
01-07-2018 | 02:47
A-
A+
Doc-P-489017-6367056670332327135b3878c19d7b8.jpeg
Doc-P-489017-6367056670332327135b3878c19d7b8.jpeg photos 0
PGB-489017-6367056670344038315b3878c589f24.jpeg
PGB-489017-6367056670344038315b3878c589f24.jpeg Photos
PGB-489017-6367056670339734255b3878c36a879.jpeg
PGB-489017-6367056670339734255b3878c36a879.jpeg Photos
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger

في خلال أسبوعين اثنين فقط (في شهر حزيران الفائت)، مات أربعة أشخاص في لبنان، بالطريقة نفسها. ماريا القاصوف عمرها 22 عاماً نامت ولم تستيقظ. علي السيد عمره 30 عاماً سقط ألماً وأرضاً ولم ينهض. جورج صليبي، 27 عاماً من سوق الغرب، هوى كالمارد. الياس رميلي أيضاً رحل من دون القاء تحية الوداع ولا استلام شهادة التفوّق. قبلهم، مات كثيرون. كانوا أيضاً في عمر الشباب والورد والأحلام. موتٌ خاطف، مفاجئ، هو ما يجمعهم، وهو ما يفرّقهم عن عائلاتهم وأحبّتهم. تماماً كما فرّق ريمي ربيز عن عائلته منذ خمس سنوات!

فما هو هذا الموت الذي يخطف يراعات من بيننا بلمحة بصر؟!

كان "ريمي" قد بلغ من العمر عشرين عاماً آنذاك. طموحاً، فرحاً، رياضياً وقائد فريق كرة القدم في الجامعة الأميركية في بيروت ومطلعاً على أصول التغذية الصحية، غير مدخّن ولا يشرب الكحول، ومتفوقاً في دراسته...كان "ريمي" أكثر من ذلك بكثير بعد: يتعمشق في عنق الحياة ويشدّ العناق أملاً وسعادة. لكنه، في لحظة، هوى. انتهى كلّ شيء كأنه حلم عابر في ليلة يغيب فيها القمر. كان ذلك في 23 آذار من العام 2013، كما تروي والدته السيدة سيلفيا ربيز لموقع "لبنان 24".

تروي تفاصيل تلك المحطة العصيبة الموجعة:" كنا في طريقنا إلى أسواق بيروت لتناول العشاء احتفاءاً بقدوم أخي (خال ريمي) من السفر. كان ريمي يقود سيارته بنفسه، ونحن في سيارة أخرى. عندما وصلنا إلى الموقف، ترجّل "ريمي" من مركبته وتوّجه نحونا لالقاء التحية على خاله. مدّ يده وشقّ على وجهه ابتسامة عريضة، لكنه لم يصل إلينا. وقع "ريمي" أرضاً، مبتسماً".

لم تصدق العائلة أنّ شيئاً خطيراً يحدث. ربما ظنّت والدته أنه أغمي عليه، فريمي لا يمكن أن يموت هكذا. أمام عينيها، وبشكل مفاجئ...لا يمكن أن يموت هكذا!

هناك، في موقف السيارات، سارعت زوجة خاله، وهي طبيبة أطفال في انكلترا، إلى "ريمي" تجري له عملية الإنعاش القلبي الرئوي (CPR) وطلبت من والده الاتصال بسيارة الإسعاف.

وصل "ريمي" إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت بعد حوالى النصف ساعة. أجريت له بطبيعة الحال كل الإجراءات الطبية اللازمة، وتمّ إدخاله إلى وحدة العناية المركزة.

تقول ربيز:" كنا نراه موصولاً بأنابيب، لكننا ظننا أنه بصحة جيّدة. اعتقدنا أنّ "القصة بسيطة ورح يقوم منا".

لكن بعد أربعة أيام، قدم الطبيب إلى العائلة قائلاً:"لقد انتهى الأمر. "ريمي" أصيب بعارض ثان قضى عليه هذه المرة".

تقول والدة الشاب إن وجود ابنها في الجامعة الأميركية، لمدة أربعة أيام (يبدو أن دماغه كان متضرراً)، ساعد الأطباء على إجراء العديد من الفحوصات. منذ البداية، وبحسب نتيجة تخطيط القلب الذي أجري له، كانوا قد اشتبهوا بأن "ريمي" مصابٌ بمرض اسمه "متلازمة كيو تي الطويلة" (Long QT syndrome)، بيد أنهم أرادوا أن يتعمقوا أكثر لمعرفة السبب، فأرسلوا عينة من دم ريمي إلى المانيا وبعد أشهر عرف اسم الجين القاتل."

بعدئذ، أجريت فحوصات لأفراد العائلة ليتبيّن أن والد "ريمي" يحمل الجين نفسه الذي يتسبب بهذه الحالة.

و"هذه الحالة" ليست إلا أحد أنواع الاضطرابات القلبية الوراثية التي تؤدي إلى توقف القلب المفاجئ لدى الأشخاص من فئة الشباب".

تضيف ربيز:" لقد أخبر نا الأطباء، بعد الفاجعة، أنّ حالة "ريمي" كان يمكن اكتشافها ببساطة وسهولة من خلال تخطيط كهرباء القلب(electrocardiogram (EKG/ECG). أكثر من ذلك، كان يمكن إنقاذه لو توافرت آلة الإسعاف الخاصة بحالته، علماً أنّ هذه الآلات معتمدة عالمياً في الجامعات والمراكز الرياضية ومراكز التسوّق والمدارس".

هذه الآلة اسمها "مزيل الرجفان الخارجي الآلي" (Automated external defibrillator) واختصاراً (AED) هي كناية عن "جهاز إلكتروني محمول يقوم تلقائياً بتشخيص الاضطراب القلبي ويعمل على إعادة نبض القلب على الإيقاع الفعال، فيخلّص الشخص من الموت بسبب توقف القلب المفاجئ، أو ما يُعرف بـ "السكتة القلبية".

خلل في كهرباء القلب

وفي هذا الإطار، يشرح الاختصاصي في كهرباء القلب الدكتور جوني عبود أنه "علينا أن نميّز بين توقف القلب المفاجئ لدى الشباب، وبين توّقف القلب لمن هم في عمر متقدم ذلك أنه في أحيان كثيرة تكون "السكتة القلبية" لمن هم في عمر يتخطى 35 عاماً نتيجة اشتراكات وحالات مختلفة تحصل في القلب. الأمران مختلفان. إنّ ما نتطرق إليه اليوم هي الأمراض التي تصيب الأشخاص من عمر 12 إلى 35 سنة والتي تكون أمراضاً جينية متوارثة إجمالاً".

وتنجم هذه الأمراض الوراثية في القلب عن  خلل في كهرباء القلب، وهناك أكثر من نوع أو متلازمة استطاع الطب اكتشافها حتى الساعة.

وبحسب ما يقول د. عبود لـ "لبنان24"، فإن بعض أنواع هذا المرض لا تكون بالضرورة وراثية، لكنّ أغلبيتها كذلك.

وما يحصل عملياً هو أن الشاب أو الصبية (ي) تتعرض لتوقف مفاجئ في القلب بسبب عدم انتظام كهرباء القلب، وهو ما درجنا على تسميته "السكتة القلبية"، والتي تختلف عن "الذبحة القلبية" التي يتعرّض لها من هم أكبر سناً بسبب انسداد الشرايين التي تغذي عضلة القلب.

هذا لا يعني طبعاً أن "السكتة القلبية " الناجمة من الخلل الجيني الوراثي لا يمكن أن تصيب من هم فوق 35 سنة أو دون 12 عاماً، يقول د. عبود معقباً:" لكن الفئة العمرية ما بين 12 و35 هي الأكثر عرضة وانتشاراً وشيوعاً".

"الجميل في الموضوع"، إذا صحّ لنا استخدام هذا التعبير، هو أنّ أكثرية أنواع هذه الأمراض الجينية يمكن اكتشافها من خلال تخطيط بسيط للقلب!

تخطيط بسيط يمكن أن ينقذ حياة شاب أو صبية! عندما علم والدا "ريمي" بأن ابنهما كان يمكن أن ينجو لو كان يعلم بمرضه وعالجه، وجدا نفسيهما أمام خيارين: إما الغرق في المأساة والسكوت، تماماً مثلما فعل آباء كثيرون قبلهم، وإما تحويل المصيبة إلى أمل.

سارا طبعاً وراء الخيار الثاني، فولدت جمعية قلب ريمي ربيز (Remy Rebeiz Young Heart Foundation)  في تشرين الأول 2013 وانضمّ إليها، طوعاً، أطباء متخصصون ومن بينهم من تابعوا حالة "ريمي" في خلال أيامه الأخيرة في المستشفى.

أراد أهل "ريمي" أن يجروا للشبان والشابات تخطيط القلب. هذا كان مخططهم في البداية. سرعان ما وجد المعنيون في الجمعية أنفسهم يجولون على المدارس والأندية الرياضية محاضرين عن الموضوع.

في 18 تموز 2014، كانت ذكرى عيد "ريمي". أراد الوالدان أن يحتفلان له بطريقة مميّزة، فكان أن وضع الطبيب كمال بخعازي قسم الطوارئ في مستشفى بخعازي في تصرّفهما كي تتمكن الجمعية من إجراء تخطيط القلب بشكل مجانيّ، وحضر في ذلك اليوم حوالى 119 شخصاً منهم لاعبون من نادي الرياضي.

تروي ربيز هذه القصة لتخبر عن "لينا حوري"، الشابة التي كانت ترأس فريق كرة السلة للشابات في النادي! لقد أخبرها الاختصاصي في كهرباء القلب الدكتور برنارد أبي صالح، العضو المؤسس في الجمعية أيضاً، أنه عليه إجراء المزيد من الفحوصات لـ "لينا"! 

لقد تبيّن، بفضل التخطيط ومن ثمّ الفحوصات اللاحقة، أن الصبية تعاني خللاً في كهرباء القلب بسبب وجود شريان خارج القلب يتسبب بكهرباء اضافية للقلب (كهرباء زائدة في القلب)، وهذه الحالة هي إحدى أنواع الأمراض الجينية الوراثية التي تسبب توقف القلب المفاجئ.

بتدخل طبي بسيط (كيّ الشريان)، عولجت حوري وعادت تمارس الرياضة أفضل من قبل، وها هي اليوم تشارك الجمعية في عملية التوعية. لقد تمّ إنقاذ حياتها!

الإنذار

يشرح د. عبود أنّه في بعض الحالات، تظهر عوارض مسبقة لدى المريض منها فقدان الوعي، وهو أمرٌ إذا ما تعرّض له الفرد في عمر الشباب يكون بمثابة إنذار يحضّ الأطباء على فحص كهرباء القلب من خلال التخطيط.

لكن إجمالاً، وللأسف، لا تظهر العوارض إلا في المرّة التي يتعرّض فيها القلب للخلل الكهربائي، وتكون الضربة قاضية.

وعمّا إذا كانت هذه الاضطرابات تعرّض الرياضيين إلى توقف القلب المفاجئ، يشرح د. عبود أن "الرياضة ليست السبب في توقف القلب (بدليل أن "ريمي" لم يمت عندما كان يمارس الرياضة)، لكن بعض أنواع هذا المرض الناتج من خلل في كهرباء القلب يزيد من خطورة توقف القلب لدى القيام بمجهود".

من هنا، تشدد الجمعية على استهداف النوادي الرياضية بشكل خاص في حملاتها التوعوية والوقائية.

حتى الساعة، أجرت جمعية "قلب ريمي ربيز" أكثر من 5400 تخطيط مجاني للقلب منذ انطلاقها في العام 2013، وتمكن الأطباء من اكتشاف 18 حالة مصابة بالمرض.

تقول ربيز إنه من بين "300 شخص هناك حالة"، لكنها تعتقد أن الرقم أكبر.

يؤسفها أن ثمة أولياء أمور "يهربون" بعد إخبارهم بأن ابنهم أو ابنتهم (ت) يحتاج إلى

إجراء المزيد من الفحوصات بعد تخطيط القلب ، وهذا ما تفسرّه على أنه "جهل، أو حالة إنكار وكأنهم يقولون "لا يمكن أن يحصل هذا الأمر معنا".

وفي هذا السياق، يشرح د. عبود أن "الاكتشافات والبحوث الطبية في علم الجينات تتطور يوماً بعد يوم، ومع أن العلم لم يتمكن بعد من اكتشاف كلّ الأنواع التي تؤدي إلى توقف القلب المفاجئ لدى الشباب، إلا أنه اكتشف حوالى 30% منها، وهذا أمر مهمّ".

ويعقب: "علينا أن نتنبه أيضاً إلى أن نتيجة تخطيط القلب السلبية (أي التي لا تظهر أي علّة) قد لا تعني حكماً غياب المرض، لكنّ التخطيط قادرٌ على اكتشاف الكثير من الأنواع".

وعن العلاجات، يقول د. عبود أنها تتراوح بين تناول الأدوية، التدخل الطبي وصولاً إلى زرع الـ defibrillator (أو ما يعرف بالبطارية) تحت الجلد.

إذاً، الموضوع كلّه، على خطورته، يمكن تفاديه والوقاية منه ومعالجته بإجراءات بسيطة.

جمعية "قلب ريمي ربيز"

جمعية "قلب ريمي ربيز" لا تزال تجول على المدارس والنوادي الرياضية والجامعات وحتى البلديات والمولات، ملقية محاضرات توعية ومقيمة حملات تخطيط للقلب.

لكن هذا لا يكفي!

هناك مرحلة أساسية بعد: التدريب على إجراء الإنعاش القلبي الرئوي(CPR) والذي يساهم أيضاً في إنقاذ المريض قبل وصول جهاز الـ AEDالمصنوع بشكل يمكّن أياً كان من استخدامه!

وعليه، تعاقدت الجمعية مع الصليب الأحمر اللبناني للتدريب على كيفية إجراء هذا الإنعاش، ويحصل من يتلقى التدريب (في المدارس او الجامعات او البلديات…) على شهادة تظهر أنه خضع لهذه الدورة.

 أما كلّ الأمل فينصبّ على أن يتمّ سنّ قانون يُلزم المؤسسات العامة والتربوية والأماكن المكتظة (مثل المولات والسوبر ماركت…) على أن تتوافر فيها أجهزة الـ AED، كما هو الحال في دول الخارج، كونها تنقذ الشخص من الموت المحتم، علماً أنها ليست باهظة الثمن"!

ويشدد د. عبود على أهمية هذه الأجهزة وضرورة توافرها في الأماكن العامة، متأسفاً أن يغيب مثل هذا القانون عن لبنان.

وفي النهاية يتوّجه الطبيب إلى جميع الأهالي داعياً إياهم إلى إخضاعأولادهم بدءاً من عمر ال12 وصولا إلى 35 إلى تخطيط القلب لأنه يمكن أن ينقذ حيواتهم.

ويمكن لجميع من هم في هذه الفئة العمرية التوّجه إلى مستشفى فؤاد خوري(BMG) رأس بيروت كل يوم سبت وأحد على مدار السنة للخضوع إلى تخطيط للقلب بشكل مجانيّ تماماً، وهو ما توّفره الجمعية.

على أمل أن تضع الدولة اللبنانية يدها للمساهمة في إنقاذ حياة الشباب في لبنان من خلال سنّ قانون إلزامية توافر أجهزة الإنعاش، وربما تخصيص شهر أو أكثر لإجراء تخطيط مجاني للقلب (أسوة بحملات التوعية ضدّ سرطان الثدي مثلاً)، ستظلّ جمعية "قلب ريمي ربيز"، ومعها كلّ الأطباء والأفراد المتطوعون، ينقذون، من خلال "ريمي"، قلبا نابضاً تغمره الأحلام!

 

 

Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك