قد لا يختلف شخصان على الاطلاق، على أن ما جرى في اليومين الماضيين، كان بمثابة اطلاق رصاصة الرحمة على تفاهم معراب، الذي كان يحتضر، وبات في خبر كان، لا سيّما بعد تسريب محاضر الاجتماع من كلا الطرفين، ورمي الاتهامات كلّ في ملعب الفريق الآخر حول من نعى الاتفاق أولاً.
وفي هذا الاطار، رأت مصادر سياسية لـ"اللواء" ان تسابق كل من "القوات" ومن ثم "التيار" على نشر نصوص تفاهم معراب والذي هو عبارة عن محضر اجتماع لقيادتي الطرفين المذيل بعبارة "سري للغاية"، هو بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على الاتفاق، وأصبح بالتالي "لزوم ما لا يلزم"، سواء على صعيد النقاط الكثيرة التي تمّ التفاهم عليها، في الحكم والادارة، أو على صعيد الاستمرار في مسيرة دعم العهد، الذي هو نتاج التسوية الرئاسية التي نسج خيوطها كل من الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع.
التيار للقوات: أنت ولي للعهد أو لوي العهد؟
شنّت مصادر بارزة في التيار الوطني الحر عبر جريدة "الأخبار" حملة عنيفة على القوات اللبنانية سألت عما "إذا كان داعماً للعهد أم لولي العهد" الأمير السعودي محمد بن سلمان.
المصادر وصفت جعجع بـ "الإلغائي" الذي "لا يمكن الاتفاق معه، ولا يمكنه الالتزام بأي اتفاق، ويمارس الاغتيال الجسدي في الحرب، والاغتيال السياسي في السلم. ولفتت إلى أن التفاهم "أساسه سياسي وينص على أننا كتلة واحدة. لكنهم في الواقع لم يقاتلوا غيرنا في الحكومة السابقة. اتفقنا على احترام المكوّن السني الأقوى لدى اختيار رئيس الحكومة، فخرق ذلك بالدور الذي لعبه في أزمة الرئيس سعد الحريري في السعودية في 4 تشرين الأول الماضي. كما اتفقنا على التحالف في الانتخابات النيابية ثم رفض ذلك".
وخلصت المصادر الى القول أن جعجع "يريد إلغاء الجميع كما عندما حاول في الحكومة السابقة الحؤول دون مشاركة المردة ورفض مشاركة الكتائب... وعندما تبقى وحدك معه يحاول أكلك. يريد اليوم رفع حصته من الوزراء منّا قبل أن ينقلب علينا".
وقالت مصادر "التيار" لـ"النهار" إنه " لم يخرق التفاهم بل "القوات اللبنانية" وليس رئيس التيار جبران باسيل من بدأ الخرق بل انه كرر ما دأب عليه من تعداد خروقات "القوات". واعتبرت ان "الخرق بدأ منذ سنة ونصف سنة مع عرقلة القوات عمل مجلس الوزراء على رغم ان الاتفاق ينص على دعم الكتلتين للعهد مرورا بموقف القوات من اعتبار استقالة الرئيس سعد الحريري قائمة مما شكل انقلاباً على العهد، ثم رفضت القوات التحالف مع التيار في الانتخابات النيابية وصولاً الى خرق الهدنة كليا عبر خرق مبدأ سرية الاتفاق ونشره". وتساءلت كيف يمكن "القوات" ان تطالب بالمناصفة في الحكومة التي هي قيد التشكيل فيما هي من خرق الاتفاق السياسي؟
وقالت مصادر "التيار الوطني الحر" لـ"الجمهورية" أن تسريب الوثيقة من قبل "القوات اللبنانية" التي من المفترض ان تبقى سرية، وخصوصاً انّ مبدأ السرية في الاتفاقات هو بند جوهري يعدّ أبرز خرق للتفاهم. علماً انّ هذا الخرق تَرافق مع ابتزاز واضح في حال عدم الاستجابة لحصص طالبت بها "القوات"، وكأنّ الاتفاق وقِّع للحصول على حصص، علماً انّ الأساس في الاتفاق هو دعم الرئاسة القوية والعهد وبناء الدولة".
وتابعت المصادر تعداد خروقات القوات لتفاهم معراب، بدءاً من عدم احترامها تمثيل الطائفة السنية عبر تعاملها مع احتجاز الرئيس سعد الحريري وإعلانه استقالته من السعودية، ما شَكّل انقلاباً على العهد وخرقاً فاضحاً للسيادة اللبنانية والأمن القومي اللبناني، امّا في موضوع المقاعد الوزارية، فتمثّل الحزبان بـ3 وزراء وحليف لكل منهما، علماً انّ كتلة "القوات" النيابية كانت تضم 9 نواب، ما يعني تمثيلها بوزيرين فقط وكتلة التيار 24 نائباً.
وتابع المصدر: حصلت "القوات" بموجب الاتفاق على 4 وزراء بمَن فيهم نائب رئيس مجلس الوزراء وهو عرفاً من حصة رئيس الجمهورية. وحالياً بما انّ "القوات" أخَلّت بالاتفاق السابق، فلا يمكنها الآن المطالبة بالمناصفة، اذ انّ الاتفاق ليس لائحة طعام نختار منها ما نريد فقط. ناهيك عن حصة رئيس الجمهورية الواردة في الفقرة (ج) من الاتفاق، والتي تحاول "القوات" إنكارها عليه".
وتوقفت المصادر "عند بند دعم الجيش في إعلان النيات، وهو ما يتناقض مع موقف "القوات" ضد الجيش في الولايات المتحدة الأميركية". واضافت: "تمّ التركيز منذ بداية العهد على المناصفة في التعيينات الادارية، لكنّ البند (ه) نص على الاتفاق بين الطرفين وفق معايير الكفاية والنزاهة وليس المناصفة".
القوات: هذه شروطنا
في المقابل، قالت مراجع "قواتية" لـ"النهار" إن "القوات مطمئنة الى المواقف التي تبلغها رئيسها مباشرة أو غير مباشرة من الثنائي الشيعي حيال موقفه من حصتها في الحكومة ان بالنسبة الى حجم تمثيلها أم لجهة اسناد حقيبة سيادية حتى لو كانت حقيبة الدفاع". وكشفت المراجع في هذا الصدد ان ما تبلغه وزير الاعلام ملحم الرياشي من رئيس مجلس النواب نبيه بري، اضافة الى ما سمعه نائب قواتي من زميل له من نواب "حزب الله" الذي أبلغه عدم تدخل الحزب في الملف الحكومي، يؤكدان عدم وجود اي فيتو، رافضة اي كلام لا يخرج عن الحزب والناطقين باسمه. وهذا يدحض في رأي المراجع ما يتشبث به "التيار" بإدعائه انه يعكس موقف الحزب عندما يرفض اسناد حقيبة سيادية الى "القوات".
وأضافت ان العواصم الغربية ولا سيما منها تلك المعنية بمؤتمر " سيدر" ابلغت المراجع السياسية ان وجود "القوات" في الحكومة العتيدة ضمان لتنفيذ المؤتمر نظراً الى الاداء الجيد الذي أظهره وزراؤها في الحكومة المستقيلة، وحرصهم على الشفافية التي يطالب بها المجتمع الدولي في التنفيذ.
وحددت المراجع مجموعة "لاءات" تحكم موقفها من الملف الحكومي ومن اتفاق معراب هي:
- "ايا يكن المستوى الذي سيبلغه الوزير جبران باسيل في هجومه، فهو لن يبلغ مرحلة احراج القوات، وتالياً لا خروج من الحكومة العتيدة تحت أي طائل، ولا مقاطعة لها.
- لن تترك القوات الرئيس المكلف تمهيداً لاستفراده أو استدراجه، ولن تنجح محاولات فك التحالف، كما حصل غداة استقالته حين استغل الوضع ضد القوات. فيما كان موقف باسيل ملتبسا من التزام الحريري رئيساً لحكومات العهد.
- لا تنازل عن الحصة كما حددتها كتلة القوات بأقل من 4 وزراء وحقيبة سيادية.
- لا تخل عن المصالحة ولن تكون القوات المبادرة الى اسقاط تفاهم معراب".
وفي ما يتعلّق بنشر تفاهم معراب، قالت مصادر "القوات" لـ"الجمهورية": "انّ نشر التفاهم كان أكثر من ضروري من أجل وضع النقاط على حروف تضليل الوزير باسيل للبنانيين، من خلال محاولاته تحريف مضمون التفاهم تبريراً لخروجه عن مضمونه في نصوصه وروحيته.
وتكفي مراجعة بعض الوقائع من رفضه تشكيل فريق عمل للتنسيق في كل شاردة وواردة كما نَص التفاهم تجنّباً للتعامل مع "القوات" كشريك، إلى رفضه توزيع المراكز في الدولة بالاتفاق بين الطرفين، ولكن ليس على طريقة الوزير باسيل بالمحاصصة وكما حاول البعض أن يفسِّر ويسترسل، إنما عن طريق آلية واضحة المعالم تُعيّن الكفوء والنزيه وتَستبعد الفاشل المستزلم وتشكّل نموذجاً يحتذى به على مستوى التعيينات في كل الدولة اللبنانية، ولكنّ الوزير باسيل رفض كل ذلك من أجل تعيين المحاسيب والأزلام".
واضافت المصادر: "لقد دلّت الممارسة الى تناقض فاضح بين ما تريده "القوات" لجهة إعلاء الشفافية وقيام الدولة الفعلية والتخلص من دولة المزرعة، وما يريده الوزير باسيل بتكريس دولة المزرعة والدولة المشلّعة إلى دويلات، بغية ضمان وصوله إلى رئاسة لا يمكنه ولوجها إذا كانت الدولة دولة والمؤسسات مؤسسات. وأيّ استعراض لتحالفات باسيل الغريبة والعجيبة في الانتخابات يدلّ بوضوح الى أنّ كل هدفه كان الخروج بأوسع كتلة نيابية للقول: "الأمر لي، والرئاسة لي وحدي. إنّ هدفه مكشوف، ولا نستغرب إطاحته بـ"اتفاق معراب" على مذبح خلافته للرئيس عون لأنه على استعداد لإشعال البلد من أجل تحقيق هذا الهدف، وتكفي النظرة إلى مواجهاته مع الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط والدكتور سمير جعجع والنائب سليمان فرنجية وغيرهم، إلى درجة يصبح السؤال مشروعاً: من هو صديق الوزير باسيل أو حليفه؟".
وقالت: أمّا أكذوبة انّ "القوات" ضد العهد فهي لا تنطلي على أحد، لأنّ "القوات" ساهمت في فتح طريق القصر الجمهوري أمام العماد عون، وكانت وما زالت إلى جانب الرئيس عون، ولكن من يطيح مبادرة الرئيس عون التَهدوية هو الذي يستهدف عون وصلاحياته وموقعه ودوره".
وشددت المصادر على "انّ "القوات" تميِّز بين العهد وبين باسيل، وتعتبر بوضوح انّ اعتراضها على المناقصات المشبوهة المدعومة من باسيل يصبّ في مصلحة العهد، وتعتبر انّ عدم سكوتها عن اي صفقة مشبوهة في مجلس الوزراء يقف خلفها باسيل يشكّل دعماً للعهد، وتعتبر أيضا عدم إمرارها مشاريع لباسيل تفوح منها رائحة الشبهات يشكّل دعماً للعهد. وأما بعد دعم سياسة العهد فلا يعني إطلاقاً دعم خطوات باسيل ومشاريعه على العِمياني".
المعارضة: ما جرى فضيحة
وعلى خطّ آخرـ وصفت مصادر معارضة لـ"تفاق معراب" عبر "الجمهورية" ما كُشف عنه بأنه "يرقى الى مستوى الفضيحة"، ذلك انّ "القوات" و"التيار" وَعدا المسيحيين بأنهما سينقلانهم الى مرحلة جديدة من الحضور السياسي والدور الفاعل، فإذا بما كشف عنه هو مجرد "اتفاق محاصصة لتقاسم المواقع الوزارية والنيابية والادارية، وتوزيعها على المحازبين والمناصرين"، سائلة: "أين هي المسلّمات الكيانية في الاتفاق الذي خلا من أي تصوّر مشترك لاستعادة السيادة وإحياء دور المؤسسات الشرعية وتطبيق الدستور؟."
ووجدت هذه المصادر في تفاهم معراب "عملية إلغاء للحياة السياسية والديموقراطية في لبنان، ومشروع تهجير للشباب وأصحاب الكفايات من غير الحزبيين لمصلحة التبعية السياسية والحزبية".
موقف حزب الله
وفيما الخلاف بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" مستعراً، إتجهت الانظار الى "حزب الله" وما يمكن ان يؤديه من دور انهاء هذا الخلاف، وقالت مصادر قريبة منه لـ"الجمهورية": "إنه خلاف بين تيارين سياسيين، ولا علاقة لـ"حزب الله" به".