كتبت ملاك عقيل في صحيفة "المستقبل": في وزارة الداخلية هدوء فوق العادة. ضجيج التأليف يقف عند أبوابها. تتحضّر "حالة" نهاد المشنوق للمغادرة، مع فريق العمل. بدأ الرجل يُلملم مقتنياته الفنية التي ميّزت مكتبه طوال 4 سنوات قضاها في الصنائع. "لا أحد يريد أن يصدّق أنّي "تَعبان" وأريد إجازة لبضعة أشهر". هل ستكون إجازة من السياسة أيضاً؟ يردّ "هذا مستحيل".
يريد "حوت الداخلية" أن "يرتاح" من وزارة يتقاتل من أجلها الجميع. يصرّ، بعد "تقاعد" وزاري مُبكر فَرضه قرار من بيت الوسط، على "حقّه" في إجازة طويلة يصعب أن تتحقق من دون تساؤلات بدأت منذ أسابيع ولن تنتهي في المدى المنظور. "فتيلها" الأساس "مشكل" سياسي بدأ مع الرئيس سعد الحريري، أطفئت "نيرانه" مؤخراً، لكن لا شيء يدلّ على أنه قد لا يتجدّد قريباً!
ثمّة سؤال يطرح نفسه. هل ينفّد المشنوق انسحاباً "هادئاً" من دائرة الحريري من دون أن يخرج من ملعب "الحريرية السياسية"؟.
مَن عايَش "الحالة الحريرية" وواكبها بتفاصيلها على مدى سنوات، وقبل حتى 4 سنوات من تعيين رفيق الحريري لأول مرة رئيساً للحكومة، يتصرّف على أساس وكأنّ دوره السياسي في "عِزّه"، رغم مسحات الحزن على وجهه. يحتاج الأمر فقط الى مرحلة من التأمّل والراحة كفترة انتقالية تسبق "القرار الكبير".
غياب المشنوق عن "الشاشة" له مبرّراته. يملك الرئيس سعد الحريري وحده سرّ استبعاد "الرجل القوي" في هذه اللحظة المفصلية الصعبة والدقيقة داخلياً وإقليمياً ودولياً، ولو أنه غَلّفه بقرار مبدئي للفصل بين النيابة والوزارة.
قرّر الرئيس المكلّف مواجهة الآتي، من "إعصار"، ربما، مجرّداً من بعض "أسلحته الثقيلة"، والاتّكال على فريق عمل، بوجوه جديدة، نيابية ووزارية واستشارية، تعكس برأي قريبين من الحريري، واقع أنّ مَن خاض الانتخابات منفرداً بوجه الجميع تقريباً، وبقانون انتخاب "خطر"، ومن دون مال خارجي، وخرج بكتلة من 23 نائباً يحقّ له أن يقود "سفينته" بنفسه!
قرار ذاتي بالمقاطعة
مع ذلك، يقول المشنوق لـ"الجمهورية": "بفرح أغادر على عكس الشائع. هناك حاجة ورغبة شديدة لديّ بأخذ إجازة من كل شيء لأشهر قليلة". يَصف الأمر بـ"ديتوكس" سياسي. عَمَل الداخلية كان "مُهلكاً وصعباً". 24 ساعة على 24 "ستاند باي".
يقرّ وزير الداخلية أنه مهما فعل سيفسّر الأمر وكأنه "حَرَد سياسي". عملياً، يصعب فعلاً استنتاج غير ذلك. فالمشنوق يحضر مرة ويغيب مرّات عن اجتماعات "كتلة المستقبل" النيابية، بقرار ذاتي منه، وهذا مؤشّر أساسي لاستمرار "مَشكَله" مع الحريري إثر الردّ المفاجئ لنائب بيروت على رئيس الحكومة بشأن رفضه "التبلّغ بالاعلام بقرار فصل النيابة عن الوزارة"!.
أنا ضد "الفصل"
من موقعه الحيادي كمراقب، يقول المشنوق: "أنا ضد الفصل بسبب حساسية اللحظة السياسية، لكن أنا مُقرّ ومعترف بأنّ من حق سعد الحريري كرئيس كتلة وكرئيس حزب أن يفصل بين النيابة والوزارة. أنا اعترضتُ فقط على الاسلوب وانتهى الموضوع عند هذا الحدّ".
المعلومات تفيد أنّ الحريري خَيّر يومها بعض وزراء "الكتلة" بين النيابة أو احتمال تعيينهم وزراء لاحقاً، لكنه لم يتحدث مباشرة ومواجهة مع المشنوق بالموضوع".
يؤكّد وزير الداخلية أنّ "الخلاف مع الرئيس الحريري له بُعد شخصي وآخر سياسي، وبالشخصي إنتهى الموضوع". حصل ذلك خلال جلسة مصارحة طويلة بين الرجلين، تَلت قيام الحريري بمبادرتين إيجابيتين حياله.
الأولى خلال إفطار "تيار المستقبل" في "البيال"، حيث توجّه صوب وزير الداخلية وطلب من أمين عام "تيار المستقبل" أحمد الحريري الجلوس مكانه حيث تحادثا في مواضيع عامة. والثانية خلال حفل "إتحاد العائلات البيروتية"، حيث أشاد "بالأخ والصديق العزيز نهاد وهو الى جانبي أينما كان. كلّ من موقعه!".
الخروج من "المستقبل"؟
بعد الإجازة، سيتّخذ نائب بيروت قراره. البقاء تحت سقف "تيار المستقبل" أو الإنفصال ليُكمل مساره السياسي كشخصية حريرية مستقلة. "سأتّخذ قراري بكل رويّة وهدوء. لن أستعجل. الأهمّ أنه تمّ سحب فتيل الخلاف الشخصي مع الرئيس الحريري. نحن على ودّ ومحبة. دائماً هناك اتصالات بيننا ومواضيع للنقاش، ومؤخراً إتصلتُ به وهنّأته على لقاء رؤساء الحكومات السابقين الذي كان ضرورياً، وكذلك أشاوره في كل قرار جدّي يصدر عن الداخلية".
ثمّة مفتاح أساس في كلام المُقلّ في الكلام في هذه المرحلة: "البعض يعتبر أنّ الابتعاد عن "المستقبل" هو خروج من السياسة. هذا غير صحيح. بعد العودة من الإجازة سأقرّر ما اذا كنت سأبقى على وضعي الحالي تنظيمياً. من الممكن أن يرفضوا هم وجودي، ويعتبروا خياري بالابتعاد لفترة غير لائق بحقهم، لكنني لن أخرج من الحريرية السياسية إلاّ اذا استُبعدت".
طُعنت من "ماكينة المستقبل"
وبالتأكيد، تَرَك يوم الانتخاب، وما سبقه وما تلاه، ندوباً كبيرة في العلاقة بين المشنوق و"المستقبل". ولدى سؤاله: هل تشعر أنك طُعنت من أهل البيت؟" يردّ سريعاً: "نعم طُعنت من ماكينة "المستقبل" الانتخابية. هناك وقائع وليس مجرد رأي أو تحليل. لقد استعَنتُ بشركة متخصّصة قامت بدراسة جدية لنتائج لانتخابات، وكشفت بوضوح مكامن الخلل".
الإجراءات "العقابية" الجزئية التي نفّذها الحريري بعد انتهاء الانتخابات، ساهمت نوعاً ما في امتصاص الأزمة. لم يعد هناك من هدف مباشر يصوّب عليه وزير الداخلية الذي يعترف أنه كاد «يسقط» لو لم يحصد نتائج "شغله" الانتخابي المُضني على الأرض!
مع ذلك، هو ينتظر التركيبة التنظيمية الجديدة، بالأسماء، ليبني على الشيء مقتضاه. "لقد عَطّلوا الماكينة الخاصة بي، التي كانت جزءاً من ماكينة "المستقبل"، ووضعوها في العتمة". وكَم مَنحك الحريري من أصوات؟ لا يجيب.
لقراءة المقال كاملاً اضغط هنا.
(ملاك عقيل - الجمهورية)