لطالما سبب "القصف العشوائي" بين حركة أمل والتيار الوطني الحر، إحراجاً لحزب الله. مساعي حارة حريك لتقريب وجهات النظر بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، كانت في الكثير من الأحيان تبوء بالفشل. فسرعان ما كان يتم خرق الهدنة التي وافق عليها "طرفا النزاع" برعاية السيد حسن نصر الله، لاعتبارات رئيس تكتل "لبنان القوي" جبران باسيل الشعبوية والانتخابية على غرار ما حصل خلال حملات التجييش التي شنها عشية استحقاق 6 ايار، كما تقول مصادر نيابية في كتلة التحرير والتنمية لـ "لبنان24".
يوم أمس حط النائب البتروني في عين التينة، مختصرا اللقاء مع "النبيه" بكلام صدر عن قداسة البابا، عن فن اللقاء الذي هو دائماً أفضل من استراتيجيات الصراع.
لم تكن الزيارة ثمرة وساطة نائب رئيس مجلس النواب إيلي فرزلي أو غيره، بمعزل عن العلاقة التاريخية الجيدة بين الأستاذ ونائبه، تقول مصادر مطلعة على موقف الثنائي الشيعي لـ"لبنان24". فاللقاء أبعد بكثير من تأليف الحكومة، علمأ أن الرئيس بري لا يكف عن دعوة المعنيين إلى الإسراع في تأليف حكومة وحدة وطنية لمواجهة التحديات الاقتصادية، قاطعا الطريق على أي تفكير بحكومة أكثرية.
بالنسبة للمصادر نفسها، يأتي اجتماع بري- باسيل في إطار إعادة ترتيب العلاقة بين "الوطني الحر" و"أمل"، بعدما جرى ترتيبها بين رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي. فجلسة يوم الثلاثاء، وإن تأخر عقدها أشهرا، يمكن وضعها في خانة ترجمة لقاء الرئيس عون والرئيس بري المفصلي في 15 ايار الماضي لمعالجة ذيول العلاقة على ضوء التطورات التي سبقت الانتخابات النيابية، حيث أكد رئيس المجلس يومذاك أن اللقاء مع رئيس الجمهورية كان أكثر من ممتاز، وجرى التطرق لكل المواضيع المستقبلية من دون التفاصيل، وكان هناك تطابق في الرؤية". وقال "تبقى العبرة في التنفيذ الذي يقع على عاتقنا جميعنا".
لقد وضع اجتماع عين التينة أمس آليات تنظيمية وسياسية للعلاقة بين الحركة والتيار العوني. وترى المصادر نفسها أن أهمية اللقاء لا تكمن فقط في معالجة آثار المرحلة الماضية وترسبات أشهر الصدام والبرغثة والبلطجة، إنما تكمن ربطا بما هو قادم من تطورات، ويمكن وضعها في سياق التقاء مجموعة قوى تجمعها قواسم مشتركة بالمعنى الاستراتيجي، منها الإسراع في تاليف الحكومة وتكريس ميزان القوى الذي انتجته الانتخابات النيابية الاخيرة، لكن يبقى الأهم ملف النزوح والعلاقة اللبنانية- السورية، فضلا عن التقييم السياسي لتطورات المنطقة في ضوء الوقائع الجديدة، وانعكاس ذلك على لبنان.
ظن كثيرون أن تموضع الرئيس المكلف سعد الحريري إلى جانب حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، ساهم إلى حد كبير في حدوث اللقاء المنتظر منذ فترة طويلة، لا سيما أن الوزير العوني لم يزر عين التينة منذ نحو سنة. بيد أن المصادر عينها ترى أن المعطيات الخارجية فرضت حصول الزيارة في هذا التوقيت، مع تشديدها على أنه يحق لأي طرف أن يبني حركة مواقفه ربطا بتشخيصه للحظة السياسية المحلية والإقليمية. فهناك أكثر من ملف تقاطعي جعل باسيل وبري يتلقفان اللقاء. وبغض النظر عن أن الاسباب التي دفعت باسيل الى الاستدارة أكثر موضوعية وحيوية، غير أن رؤيوية الأستاذ للقضايا الكبرى تتشابك بقوة مع الرئاسة الاولى، وعلى هذا الأساس يمكن القول إن تلاقيه مع باسيل هو المعنى تجسيدي لعلاقة الرئاسة الاولى والثانية.
وتأسيسا على ما تقدم، فإن المستجدات الإيجابية على خط عين التينة – الرابية، لن تؤثر سلباً على علاقة الرئيس بري بالرئيس المكلف والنائب السابق وليد جنبلاط وحزب القوات. فرئيس المجلس أوفد الوزير علي حسن خليل إلى بيت الوسط ليضع الحريري في أجواء اجتماعه مع باسيل، فضلا عن تأكيد مصادره أنه سيبقى ثابتا على موقفه من تمثيل حزب القوات، وحصة الحزب التقدمي الاشتراكي في الحكومة المرتقبة، ولن يقبل بإقصاء حد. وبالتالي، فإن النبيه بمهارته المعهودة سيكون قادراً على ألا يجعل خير لقائه باسيل يصطدم بشر خسارة جنبلاط أو سواه.