لم يكن ينقص وزير الخارجية جبران باسيل خلال لقاء صحفي له أمس سوى اعلان الانقلاب على مجمل الوضع السياسي المتردي ونفض يديه من حالة المراوحة والتخبّط في عملية تأليف الحكومة، إذ ان صبره وصبر الناس بدأ ينفذ، محمّلاً المعرقلين و"النافخين في أحجامهم" مسؤولياتهم تجاه الوطن والشعب والعهد!! وإذ أجاد باسيل التصويب نحو "القوات اللبنانية" ومواقف رئيسها السياسية المتعارضة وغير المنسجمة مع سياسة تكتل "لبنان القوي" سواء في الرؤية او في الأداء الحكومي، الا أن الهدف الأساسي من رمايته كان إسقاط "اتفاق معراب" الذي لطالما اعتبره معلّقاً قبل الانتخابات النيابية ولاغياً بعد التحالفات ونتائج الانتخابات. في سياق متصل، لم يسدّد الوزير جبران باسيل طلقاته الثقيلة باتجاه الرئيس المكلف سعد الحريري، فلا حاجة "للصديق جبران" الى ذلك، إذ ان انسجامه في الرؤيا مع أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله من حيث وضع معايير موحدة وثابتة في عملية تأليف الحكومة وفرضها على الجميع بدا واضحاً ولربما يصار الى اعتماد هذه المعايير على أساس عُرفٍ يتّبع في المستقبل لطالما ان الديمقراطية اللبنانية توافقية والحكومات تشكّل على مبدأ الوحدة الوطنية ويشارك فيها جميع المكونات السياسية دون استثناء! من جهة اخرى، اصبح من الواضح أنه من غير الممكن حلّ العقد الثلاث في عملية التشكيل، وأن الحلّ لن يكون ابدا على حساب تكتّل "لبنان القوي" ورغم ان عدم الاعتراف بشرعية "تفاهم معراب" وحدّة الخلاف السياسي، الا ان ذلك لن يمسّ ابدا بالمصالحة المسيحية - المسيحية، إذ لا عودة عنها الى الوراء وهذا الأمر هو محض قرار من طرفي الاتفاق لما فيه مصلحة الوطن والطائفة المسيحية. ما لا شك فيه ان ادارة عملية التأليف هي حكماً من صلب صلاحيات رئيس الحكومة المكلف، ولكن حين يدخل رئيس الجمهورية ميشال عون في شراكة كاملة في مشروع التشكيل، حينها يتدخل "صهر الرئيس" فيفصّل ويخيط، حتى ما إن أصبح اللباس جاهزا، عُرض على الحريري ليضع لمساته الأخيرة انطلاقا من الحفاظ على الصلاحيات وعدم المسّ بجوهر التأليف، ووقف الهجمات المضادة استباقيا من الأفرقاء السياسيين المتضررين من تسوية "العهد" مع "تيار المستقبل". وقد أفادت مصادر سياسية مطلعة لـ"لبنان 24" بأنّ تلويح الوزير باسيل عن أن عدم المشاركة في الحكومة هو احد خياراته المطروحة ليس سوى دليل على ان عملية التشكيل المعقدة ما زالت تواجه عقبات وصعوبات وباتت تحتاج الى "صدمة ايجابية" جديدة تعيد المتناحرين الى رشدهم وتدفع بالتأليف نحو تجاوز العراقيل فالوطن قد دخل في نفق "الكوما" ولن ينفع معه بعد ذلك اي نوع من الصدمات حتى تلك "الكهربائية"!! يبدو واضحاً أن الوزير جبران باسيل انتقل وحيدا في المركب الى الضفّة الأخرى من عملية تشكيل الحكومة، فهو أدلى بدلوه على مبدأ "قل كلمتك وامشِ" سواء لجهة الأعداد أو الأحجام، ولا يبقى سوى ان ينتظر الرفاق للحاق به. وما زال اللبنانيون يترقبون خطوات اصحاب القرار، ومن خطوة الى "دعسة ناقصة" يبقى حال الوطن على ما هو عليه حتى إشعار آخر!