استقر الذهب، اليوم الخميس، قرب أعلى مستوياته القياسية بعدما لامس، في اليوم السابق، ذروة جديدة بلغت 4059 دولاراً للأونصة، مدفوعاً بارتفاع الطلب على الملاذات الآمنة وسط استمرار الإغلاق الحكومي الأميركي وتوقعات بخفض إضافي لأسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي.
ويتداول المعدن النفيس حالياً حول 4045 دولاراً للأونصة، بعد موجة ارتفاع قوية شهدها الأسبوع الحالي، إذ يعزز المستثمرون مكاسبهم وسط مزيج من القلق الجيوسياسي والتفاؤل الحذر في
الأسواق العالمية.
ويواصل الذهب اتجاهه الصعودي مدعوماً بتراجع رهانات
الفيدرالي الأميركي على تشديد السياسة النقدية، وبالمخاوف الناجمة عن إغلاق الحكومة الأميركية الممتد منذ تسعة أيام، والذي تسبب بتعطيل صدور البيانات الاقتصادية الرئيسية.
وقال موقع "live wire"، أنّه بعد عامين من الأداء اللافت، تجاوز الذهب بسهولة مؤشرات الأسهم الأميركية، وعلى رأسها ستاندرد آند بورز 500، ليطرح تساؤلات حول مدى استدامة هذا الارتفاع الاستثنائي. فبينما يرى البعض أن المكاسب الكبيرة التي حققها المعدن النفيس خلال العامين الماضيين كانت نتيجة ظروف استثنائية يصعب تكرارها، يعتقد آخرون أن الذهب لا يزال في بدايات موجة صعود طويلة الأمد، مدعوماً بتحولات هيكلية في الأسواق العالمية.
وبين هذين الرأيين، يبرز واقعٌ يشير إلى أن الذهب ما زال يمتلك مقومات قوية لمواصلة الصعود، وإن بوتيرة أكثر استقراراً مما كانت عليه السنوات الأخيرة، بفضل اتساع قاعدة المشترين وضعف الدولار الأميركي.
شهدت السنوات الأخيرة تحوّلاً في هوية اللاعبين الرئيسيين في سوق الذهب. فقد برزت البنوك المركزية كمشترٍ أساسي، بعدما كانت سابقاً مجرد متلقٍ سلبي للأسعار. ومنذ عام 2022، تضاعف حجم مشترياتها ليصل إلى أكثر من 1000 طن سنوياً، في خطوة تعكس توجهها نحو تعزيز الاحتياطيات تحسباً للتقلبات الجيوسياسية والمالية.
وفي المقابل، دخل المستثمرون
الآسيويون، خصوصاً في
الصين، بقوة إلى المشهد من خلال صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب، التي جمعت أكثر من 18 مليار دولار منذ عام 2023، لتعيد رسم خريطة الطلب العالمي وتمنح الأسعار دفعة هيكلية جديدة.
مع استئناف الاحتياطي الفيدرالي الأميركي دورة خفض الفائدة، تعود المحركات الكلاسيكية لارتفاع الذهب إلى الواجهة. فكل تراجع بنسبة 1% في العوائد الحقيقية، تاريخياً، يوازي ارتفاعاً يقارب 400 دولار في سعر الأونصة، ما يعيد الزخم إلى المعدن النفيس باعتباره البديل الأفضل في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة.
وفي الوقت نفسه، يساهم ضعف الدولار الأميركي في زيادة
جاذبية الذهب، إذ يقلل من تكلفته للمشترين في الأسواق الناشئة، بينما يواصل المستثمرون حول العالم البحث عن أصول آمنة ومحايدة سياسياً في ظل اضطراب المشهد المالي الأميركي.
يبقى الذهب أداة التحوط الأكثر فعالية في مواجهة الركود والتضخم. فمع اقتراب تقييمات الأسهم من مستويات قياسية واستمرار القلق بشأن النمو، يبرز المعدن الأصفر كخيار مفضل للمستثمرين الباحثين عن الأمان.
ورغم أن وتيرة المكاسب قد تصبح أكثر هدوءاً، فإن الذهب لا يزال يحتفظ بدوره المحوري في المحافظ الاستثمارية، مدعوماً بضعف الدولار، واستمرار الطلب من البنوك المركزية، وتصاعد المخاطر الجيوسياسية.