في سباق عالمي متسارع نحو إعادة رسم خريطة النفوذ الاقتصادي، يسعى
الاتحاد الأوروبي لوقف تآكل قاعدته الصناعية أمام المنافسة الأميركية والصينية، التي أضعفت منظومته الدفاعية والاقتصادية التي صمدت 70 عامًا، وفق تقرير موسّع نشرته وكالة بلومبيرغ.
وأكدت الوكالة أن الاتحاد "يخوض معركة لإنقاذ الصناعات الأوروبية المهددة"، في وقت حذّر فيه مسؤول
أوروبي رفيع من أن بروكسل لم تستوعب بعد حجم الأزمة بالكامل، مضيفا أن الوضع "يتفاقم مع استمرار النهج المجزأ" في مواجهة التحديات الصناعية والتجارية.
تشير بلومبيرغ إلى أن الاتحاد
الأوروبي لم يعد يملك ترف الانتظار، إذ يواجه انهيارًا تدريجيًا في قدرته على المنافسة العالمية، بينما تتجه أميركا والصين نحو سياسات صناعية هجومية وحماية أسواقهما الداخلية.
وأكدت ماريا ديميرتسيس، مديرة مركز الاقتصاد والإستراتيجية والمالية في كونفرنس بورد ببروكسل، أن "
أوروبا بحاجة إلى سياسات صناعية واضحة، وأن تتوقف عن القلق بشأن الدفاع عن نظام متعدد الأطراف لم يعد قادرًا على مواجهة الممارسات غير العادلة".
ويستعد زعماء الاتحاد الأوروبي للاجتماع في بروكسل الأسبوع المقبل لبحث سبل تقليل "الاعتماد الإستراتيجي" وتعزيز "
القاعدة الصناعية والتكنولوجية الدفاعية".
تكشف بلومبيرغ أن المفوضية الأوروبية تبحث فرض نقل التكنولوجيا من الشركات الصينية إلى نظيراتها الأوروبية كشرط للعمل داخل السوق الموحدة. كما يدرس الاتحاد تقديم أفضلية للشركات الأوروبية في العقود العامة التي تبلغ قيمتها نحو 2.5 تريليون يورو سنويًا.
ومن المتوقع أن تصدر المفوضية بحلول نهاية العام "عقيدة للأمن الاقتصادي"، تحدد متى وكيف يمكن استخدام أدوات الدفاع التجاري لحماية مصالح الاتحاد.
كما تبحث بروكسل تنسيق الجهود مع مجموعة السبع لتقويض هيمنة
الصين على المعادن النادرة والمواد الحيوية، إذ تشير بيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية إلى أن بكين تمتلك نحو 50% من الاحتياطي العالمي لهذه الموارد.
ويشير التقرير إلى أن "ثمار هذه الإجراءات ستحتاج إلى سنوات لتظهر"، وأن أوروبا لم تعد تملك رفاهية الوقت في ظل تزايد القيود
الصينية على التصدير وتسارع سيطرة شركاتها على سلاسل التوريد العالمية.
حذر التقرير من أن الاتحاد الأوروبي ما زال عاجزًا عن صياغة استراتيجية صناعية موحدة تحمي السوق الأوروبية المشتركة وتستعيد تنافسيتها.
وقال ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، إن القارة "تلقت تذكيرًا مؤلمًا بأن التقاعس يهدد ليس فقط تنافسيتها، بل سيادتها ذاتها".
وأشار التقرير إلى أن عجز الاتحاد عن التحرك الفوري جعله يقبل اتفاقيات تجارية غير متكافئة مع إدارة
ترامب، كما اضطر إلى ملء الفراغ المالي والعسكري الذي خلّفه تراجع الدعم الأميركي لأوكرانيا، في وقت تتقدم فيه الصين بخطوات سريعة في قطاعات السيارات الكهربائية والتقنيات الخضراء.
ووفقًا للخبيرة مارينا زانغ من جامعة التكنولوجيا في سيدني، فإن الصين “نجحت في بناء تفوق طويل الأمد بفضل شبكات بحث وتطوير متقدمة وقوى عاملة مؤهلة”، مشيرة إلى أن أوروبا تعتمد اليوم على السوق الصينية لتصنيع العديد من مكوناتها الأساسية، من البطاريات إلى الشرائح الدقيقة.
ورغم ذلك، يرى خبراء أن الاتحاد قادر
على استعادة زمام المبادرة "إذا تخلّى عن خوفه من المخاطرة، وتبنّى سياسات أكثر جرأة".
في خطاب وصفته بلومبيرغ بأنه الأكثر صراحة، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في جامعة السوربون: "أوروبا كيان يمكن أن يموت، ومصيره يتوقف بالكامل على قراراتنا".