ذكرت مجلة "Front Populaire" الفرنسية أن "حرب غزة، التي اندلعت بسبب الهجمات التي شنتها حماس في السابع من تشرين الأول 2023، قد تؤكد تراجع
حزب الله. فبعد أن ضعف بشكل كبير جراء هجمات الجيش
الإسرائيلي وعمليات التخريب التي يشنها الموساد، يمر الحزب حاليًا بمرحلة نزع سلاحه، ومن المتوقع أن يتخلى عن كل أدواره العسكرية ويكتفي بالاحتفاظ بصلاحياته السياسية. إلا أن هذا المشروع لا يزال محل تساؤلات".
حزب الله في طريقه إلى نزع السلاح
وبحسب المجلة، "في أعقاب وقف إطلاق النار، تكبد حزب الله خسائر بشرية ومادية فادحة. فبالإضافة إلى 13 من كبار قادته، زعم الجيش الإسرائيلي أنه اغتال 2500 عنصر، بما في ذلك أربعة من قادة الفرق، و24 قائد لواء، و27 قائد كتيبة، و63 قائد سرية، و22 قائد فصيلة. وقال مصدر إن الجيش الإسرائيلي قصف 12,500 هدف لحزب الله، ودمر 150 مستودعًا و160 مقرًا. كما قدّر الجيش الإسرائيلي أن حزب الله فقد 70% من طائراته المسيّرة وجزءًا كبيرًا من قدراته النارية. وفي هذا السياق، جعل رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون من نزع سلاح الفصائل الشيعية هدفاً ذا أولوية، وهو ما يشكل جزءاً من منطق استئناف احتكار الدولة
اللبنانية للسلاح. عند توليه منصبه، أعلن عون أن "القرار اتُخذ بوضع كل الأسلحة تحت سيطرة الدولة". وحرصًا على عدم إشعال فتيل "حرب أهلية"، استبعد أي "حلٍّ مقترح من الخارج"."
وتابعت المجلة، "لكن هذا لا يمنع بعض اللاعبين الأساسيين على الساحة الدولية من دعم السلطة التنفيذية اللبنانية في مشروعها الرامي إلى نزع سلاح الفصائل الشيعية أو حتى جعل ذلك شرطاً لمنح دعمها المالي في سياق إعادة إعمار بلاد الأرز. هكذا أعلنت مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الخاص للولايات المتحدة للسلام في
الشرق الأوسط، أن
لبنان يجب أن يزيل "السرطان" المتمثل بحزب الله بشكل كامل حتى تكون لديه فرصة "الشفاء". وفي الوقت عينه، مارست المملكة العربية السعودية ضغوطاً على الحكومة اللبنانية، وقدمت التزاماً مالياً من جانبها مشروطاً بتحييد الحزب.".
وأضافت المجلة، "تشارك أحزاب لبنانية معارضة لحزب الله، مثل القوات اللبنانية، هذه الرغبة. إن التوازن الذي يتعين على عون القيام به اصطدم في البداية بتعنت الجماعة الشيعية وأمينها العام نعيم قاسم، الذي أعلن أن حركته "لن تسمح لأحد بنزع سلاحها"، وأضاف "يجب علينا إزالة فكرة نزع السلاح من القاموس". لكن يبدو أن نهج عون، الذي يفضل عملية تتضمن "حواراً ثنائياً بين الرئاسة وحزب الله"، أقنع الفصيل الشيعي بفتح "حوار" حول "الإستراتيجية الدفاعية" التي يرغب الرئيس في تنفيذها. وأكد النائب عن حزب الله حسن فضل الله هذا الموقف، مؤكداً أن الحزب أعرب عن "استعداده للحوار من أجل إيجاد استراتيجية دفاعية للبنان". وفي ظل هذا المناخ المتوتر بدأ الجيش عملياته لنزع سلاح حزب الله في جنوب لبنان".
وبحسب المجلة، "قال مصدر في الجيش الإسرائيلي إن "الجيش اللبناني يتحرك ضد حزب الله في العديد من المناطق أكثر مما كنا نعتقد". وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال، سيطر الجيش على المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، وهي المنطقة التي كانت تقليديا في أيدي حزب الله. ونقلت الصحيفة الأميركية عن رئيس الوزراء نواف سلام قوله إن الحكومة اللبنانية حققت 80% من هدفها بشأن نزع سلاح حزب الله. كما تنازل حزب الله عن السيطرة على مطار
بيروت للجيش، مما أثر بشكل مباشر على قدرته على جمع التمويل. لكن سلام يذكر، في ما يبدو وكأنه دعوة لعدم التقليل من قدرة حزب الله على إعادة بناء نفسه، أنه سيكون من الصعب على حكومته تفكيك ترسانات الحزب بالكامل قبل الانتخابات التشريعية في عام 2026".
التهديد الذي لا يزال قائما
وبحسب المجلة، "قال قائد الجبهة الشمالية في الجيش الإسرائيلي الجنرال
أوري غوردين إن 80 إلى 85 في المائة من قدرة حزب الله على الضرب تم تدميرها، مضيفا أنه يستبعد تماماً توغل قوات الرضوان. وأشار إلى أن الفصيل الشيعي لا يزال يمتلك القدرة على إطلاق هجمات صاروخية معزولة. علاوة على ذلك، وكما تشير صحيفة يديعوت أحرونوت
الإسرائيلية، يتجدد التهديد في المجتمعات الشيعية في جنوب لبنان من خلال الجمعيات الأهلية. ويُشتبه في أن هذه الجمعيات، التي تقوم بتركيب هياكل جاهزة بالقرب من خط التماس مع القوات الإسرائيلية، تحافظ على روابط مالية مع حزب الله وتقوم ببناء بعض الهياكل المخصصة لتصبح مواقع إرهابية".
وتابعت المجلة، "في غضون ذلك، وبينما أصبح الحزب محروماً الآن من معظم مخزونه من الصواريخ والقذائف، يبدو أنه يعمل على زيادة إنتاجه من الطائرات من دون طيار، وقد عدل ميزانيته للسنة المالية المقبلة وفقًا لذلك. كما أن استخدام الطائرات من دون طيار، التي تعد أقل تكلفة في التصنيع من الصواريخ، يعد أكثر ملاءمة للاستخدام المعزول، وهو ما يجعل اكتشافها أكثر صعوبة. ولهذا السبب، تقوم إسرائيل باستهداف مواقع تصنيع الطائرات من دون طيار ومستودعات التخزين. أما المسألة الأخرى المطروحة هي إدارة مقاتلي حزب الله. كان عون قد أشار بشكل ملحوظ إلى إمكانية انضمام هؤلاء إلى الجيش إذا امتلكوا المؤهلات اللازمة واجتازوا الاختبارات اللازمة للاندماج فيه. وتنطوي هذه الاستراتيجية على خطرين رئيسيين".
وبحسب المجلة، "الخطر الأول هو الدمج الفعال للمقاتلين الشيعة في جيش متعدد الطوائف. وهذا تذكير بالتحدي الذي يواجه الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي تتضمن خطته لتوحيد الدفاع دمج الجهاديين في الجيش السوري. علاوة على ذلك، سيكون من الضروري تجنب السيناريو العراقي الذي أدى إلى إعادة تجميع معظم الميليشيات ضمن قوة الحشد الشعبي. كما ويشكل احتمال ترك هؤلاء المسلحين ليدافعوا عن أنفسهم مصدر قلق قد تواجهه الحكومة اللبنانية إذا نجحت عملية نزع السلاح وتخلى حزب الله عن أنشطته العسكرية. وفي هذا الصدد، فإن الدعم المالي من
الولايات المتحدة ودول الخليج والاتحاد الأوروبي من شأنه أن يمكّن من تعزيز صفوف وموارد الجيش اللبناني، وبالتالي الحد من مخاطر عودة ظهور قدرات حزب الله الضارة، بشكل منسق أو معزول. كما ولا يمكن استبعاد إمكانية أن تقوم طهران بإعادة تنشيط أذرعها الإقليمية في إطار "حرب الظل" التي تشنها ضد إسرائيل".
وختمت المجلة، "يبقى أفضل مؤشر على حالة عدم اليقين المحيطة بمشروع نزع السلاح هي المواقف الصادرة من حزب الله نفسه. وقد شدد الحزب مؤخرا من موقفه، حيث أعلن قاسم في 30 تموز أن "من يدعو إلى تسليم السلاح يخدم المشروع الإسرائيلي". وأضاف: "لا يمكن إجبارنا على الاختيار بين المقاومة وبناء الدولة: المقاومة ضد إسرائيل، وبناء الدولة من أجل المواطن".