كتبت " اللواء": يقف
لبنان أمام مفترق حقيقي: فبين ديبلوماسية تحاول بناء شبكة أمان دولية، وخصم يلوّح بالحرب، تتقلّص خيارات الدولة إلى حدّ شبه معدوم. لا قدرة له على فرض إيقاعه، ولا ضمانات بأنّ
المجتمع الدولي قادر على كبح اندفاعة
تل أبيب، التي ترى في الظرف الإقليمي فرصة لتعديل التوازنات مع حزب لله وإعادة تشكيل قواعد الاشتباك.
وسط هذا المشهد، يظهر العامل الروحي عبر زيارة البابا كرسالة دعم للاستقرار تماماً كمبادرة سياسية حوارية تتعلّق بالسلاح. وفتحت الزيارة الباب أمام مقاربة فاتيكانية جديدة تؤسّس لمتابعة دقيقة للملف اللبناني بتفاصيله السياسية والاقتصادية والكنسية.
ما يميّز الحركة الفاتيكانية الأخيرة ليس الجانب الرمزي فحسب، بل تبنّي مقاربة مختلفة تتعامل مع لبنان بوصفه ملفاً يحتاج إلى متابعة يومية لا إلى مواقف ظرفية. فالكرسي الرسولي، الذي كان يكتفي سابقاً بالتعبير عن قلقه على الوجود المسيحي ودور الدولة، انتقل إلى موقع أكثر تقدّمية، واضعاً الإصلاح وحصرية السلاح في صلب أولوياته.
البابا أشار بوضوح إلى ضرورة الخروج من منطق السلاح والعنف في إتجاه مساحات حوارية قادرة على نقل البلد من ضفّة إلى أخرى، مع تأمين الغطاء الروحي لهذا الانتقال.
وظهر أن الفاتيكان بات أكثر مباشرة في مقاربته للمشهد المسيحي في لبنان. فالتشرذم داخل القوى
المسيحية، وتضارب المصالح، والتعثّر في صوغ رؤية مشتركة لدورهم داخل الدولة، كلها عوامل جعلت البابا يشير بوضوح إلى مسؤولية «السياسيين
المسيحيين المعنيين بحياة اللبنانيين». هذه الرسالة توحي بنفاد صبر دولي من عدم قدرة هذه القوى على الخروج من الانقسامات التي ساهمت في تعطيل المؤسسات وعرقلة كل مسار إصلاحي.
أما اقتصادياً، فيظهر تركيز البابا على أن تكون الإصلاحات «لا تؤذي شباب لبنان» كإشارة إلى أن الفاتيكان يرفض مقاربات تقشفية قد تدفع بالمزيد من اللبنانيين إلى الهجرة. وسيضغط الكرسي الرسولي في اتجاه حلول توازن بين متطلبات التعافي المالي والحفاظ على الخدمات الأساسية، مما يجعل الإصلاح مساراً واقعياً لا عبئاً إضافياً.
كما أبدى البابا نية واضحة بوجوب إعادة ترتيب البيت الكنسي نفسه، عبر رفع مستوى المساءلة وتعزيز الشفافية داخل المؤسسات الرعوية والاجتماعية. تحمل هذه الخطوة دلالتين: الأولى أنّ الفاتيكان يرى أنّ ترميم المؤسسات الكنسية ضرورة للتماسك الاجتماعي، خصوصاً في ظل انهيار معظم شبكات الدعم الرسمية، والثانية أنّ الإصلاح يبدأ من الداخل قبل مطالبة
القوى السياسية بالاقتداء.
مع هذه المقاربة الجديدة، يعود الفاتيكان لاعباً مؤثّراً في المشهد اللبناني، ليس من موقع الوصاية، بل من موقع الضغط الهادئ الذي يسعى إلى منع انهيار ما تبقّى من ركائز الدولة والمجتمع. فهل يستطيع لبنان تحويل الرجاء إلى سياسة، أم أنّ الواقع الإقليمي سيبقى أقوى من أي مسعى للحل؟.
وكتبت ليليان خوري في" النهار":زيارات البابا الأخرى جديرة بالتقدير والتنويه للناحية الإنسانية والمجتمعية خصوصاً لمستشفى راهبات الصليب فهناك من أتى ليقول: لستم وحدكم بعد اليوم خصوصاً مع تلكؤ السلطة في مساعدة المؤسسات الإنسانية.
تأكيد البابا على الوحدة بين اللبنانيين مسيحيين ومسلمين شهادة صلبة في وجه
إسرائيل التي تعمل على كسر هذه الصورة الجامعة للبنان الرسالة.
إعلان قداسته أنه سيحمل لبنان قضية في المحافل العالمية وفي كل اتصالاته الدولية رسالة مهمة إلى الفكر التوسعي الإلغائي الذي يرغب في كتابة شرق أوسط جديد يقوم على انقاض أوطان تجذرّت في الأرض شلوشاً وحلّقت في السماء شموخاً، وفاحت من ترابها القداسة.
أوطانٌ مهما صغرت مساحتها ستبقى صامدة لن تقوى على اقتلاعها أي قوة، طبعاً إذا أحسنّا قراءة رسائل البابا للسلام، وتأكيده وتحديثه للإرشاد الرسولي الذي طبعه البابا لاوون الرابع عشر في زيارته لبنان.
فهل من يتعظ ويتلقّف؟