Advertisement

لبنان

زيارة براك إلى بيروت: دبلوماسية باردة في انتظار اختبار الترجمة

حسين خليفة - Houssein Khalifa

|
Lebanon 24
08-07-2025 | 05:00
A-
A+
Doc-P-1388338-638875641637744267.jpg
Doc-P-1388338-638875641637744267.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
فاجأ المبعوث الأميركي توم براك كثيرين بموقفه الإيجابي غير المتوقّع، في مقاربة الردّ اللبناني الرسميّ على المقترحات التي قدّمها خلال زيارته السابقة، فهو تحدّث عن "فرصة حقيقية أمام لبنان للخروج من حالة اللاسلم واللاحرب"، وأعرب عن "امتنانه" للرد اللبناني، واصفًا إياه بـ"الغني بالأفكار والمتزن في نبرته"، كما بدا لافتًا تأكيده أنّ واشنطن "لا تفرض" على اللبنانيين ما يجب فعله، بل "تساعدهم إذا أرادوا التغيير"، على حدّ قوله.
Advertisement
 
هذه اللغة اللاصدامية، والتي تتعارض مع الانطباع السابق عن صرامة متوقعة في الرد الأميركي، أثارت ارتياحًا نسبيًا في بيروت، إذ فسّرها البعض على أنها محاولة لتجنّب تفجير المبادرة، واحترام الحساسيّات التي يمكن أن تنشأ عن ذلك، خصوصًا في ضوء موقف "حزب الله" الذي جاء على لسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم قبل ساعات فقط من وصول براك إلى لبنان، والذي اعتبر كثيرون أنّه "نسف" المبادرة بشكل أو بآخر.
 
لكن خلف الخطاب المهادن الذي اعتمده المبعوث الأميركي في تصريحاته للصحافيين من قصر بعبدا، حيث التقى الرئيس جوزاف عون، قبل أن يلتقي رئيس الحكومة نواف سلام، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ووزير الخارجية يوسف رجّي، لا تزال الأسئلة الكبرى معلّقة: فهل بدأت مرحلة جديدة من التفاوض الجدي، أم أن ما سُمّي "فرصة" سيتبدّد سريعًا في زحمة الاشتراطات المتبادلة؟
 
 الموقف اللبناني.. أين يقف "حزب الله"؟
 
بمعزل عن بعض الأصوات التي خرجت لتنتقد الموقف اللبناني، كما فعل رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، الذي اعتبره "غير دستوري"، باعتبار أنّ الحكومة لم تجتمع لمناقشته، يقول العارفون إنّ الموقف اللبناني تمّت صياغته بشكل "يوحّد" جميع الأطراف، وهو حرص على الحفاظ على سقف سيادي، مع التأكيد على أولوية انسحاب إسرائيل ووقف اعتداءاتها، والتدرج في تنفيذ سحب السلاح، تحت عنوان حصره بيد الدولة.
 
لكن رغم حرص الدولة على إبقاء الرد "موحدًا"، إلا أن قراءته تبدو مختلفة لدى الأطراف السياسية، علمًا أنّ موقف "حزب الله" منه أثار بعض التساؤلات، إذ سرّبت بعض الأوساط أنّه لم يقدّم أساسًا أيّ ردّ على الورقة الأميركية، مكتفيًا بالمواقف الإعلامية والسياسية الرافضة لها، فيما وضع آخرون الأمر في سياق "توزيع الأدوار" بينه وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي لطالما لعب دور "المفاوض السياسي" نيابةً عن الحزب.
 
وهنا، ثمّة من يؤكد أنّ "حزب الله" اعتبر أنّ المسار الذي أخذته الأمور جيّد، علمًا أنّ أوساطًا قريبة منه أوضحت أن الحزب قرأ في تصريح المبعوث الأميركي لهجة دبلوماسية غير استفزازية، ومرونة لفظية مفيدة في إبقاء قنوات التواصل مفتوحة، وأكّدت أنّ ما صدر عن أمينه العام لم يكن ردًا على المبادرة الأميركية، بل تأكيدًا على الثوابت، في مواجهة الضغوط التي مورست في الأيام الأخيرة، خصوصًا على المستوى العسكري.
 
هذا الموقف، وإن لم يُعبّر عنه ببيان رسمي، يعكس أن حزب الله لا يرى أن لحظة الاشتباك المباشر قد حانت، بل إنه يفضّل ترك هامش من المناورة الدبلوماسية، ريثما تتضح نوايا الأميركيين وتُحدد معايير أي حوار حقيقي، لا سيما في ظل عدم وجود جدول زمني واضح أو ضمانات موثوقة، علمًا أنّ حديث براك عن عدم وجود جدول زمني، وعن رفض سياسة الإملاءات، يُعَدّ "مكسبًا" للحزب في هذه المعركة.
 
نتائج الزيارة: ما الذي تغيّر فعليًا؟
 
بعيدًا عن التأويلات المتنوعة، ثمّة وقائع أساسية أفرزتها زيارة براك يمكن التوقّف عندها، أولها اعتراف أميركي غير معلن بالتوازنات القائمة، عبر استخدام لغة سياسية ناعمة، وتجنّب الحديث عن "فرض الشروط"، وثانيها تمرير لبناني ذكي لرد مشترك يحمي وحدة المؤسسات ويؤجل الصدام الداخلي، وثالثها تهدئة متبادلة بين واشنطن وحزب الله، تقوم على مراعاة الشكل بانتظار تبلور المضمون.
 
لكنّ هذه الإيجابية الشكلية قد لا تعمّر طويلًا، ما لم يتم التفاهم على خطوات عملية لاحقة، وفق ما يقول هؤلاء، فالموقف الإيجابي للمبعوث الأميركي يبقى "مع وقف التنفيذ"، بانتظار التعمّق في قراءة الردّ اللبناني، وكذلك كلامه عن أن إسرائيل لا تريد الحرب، فالخشية تبقى أكثر من مشروعة من توسّع العدوان على لبنان، بعد الغارات الإسرائيلية المكثّفة في الأيام الماضية، والتي يُخشى أن يصبح "تكتيكًا" في المرحلة المقبلة، في إطار ما يُعرَف بـ"التفاوض بالنار".
 
انطلاقًا من هذه المعطيات، يمكن رسم عدّة احتمالات رئيسية لمسار المرحلة المقبلة، بينها الانخراط في مفاوضات مرنة، قد توصل إلى صياغة تفاهمات جزئية تشمل ترتيبات ميدانية أو ضمانات سياسية، ولكن منها أيضًا الضغط بالتوازي مع الدبلوماسي، سواء عبر التلويح بالعقوبات أميركيًا، أو التصعيد العسكري إسرائيليًا، ليبقى السيناريو الأخطر هو الدوران في الفراغ، مع ما قد ينطوي على ذلك من زيادة في الاستنزاف الأمني والسياسي.
 
في النتيجة، يمكن القول إن زيارة براك حملت في الشكل إشارات ارتياح، لكن مضمونها الحقيقي لم يُختبر بعد، فالدبلوماسية الباردة التي حملها إلى بيروت تبدو حتى الآن بلا حرارة كافية لإشعال تفاوض فعلي، إلا إذا قرّرت الأطراف، خصوصًا واشنطن وتل أبيب، اختبار الترجمة بجدول زمني واضح لا بالتصعيد الميداني. وإذا كان لبنان الرسمي نجح في تمرير ردّ موحّد، إلى حدّ ما، يحمي الاستقرار الظاهري، لكنه يدرك أن الحساب الحقيقي يبدأ الآن: فهل يستطيع الحفاظ على تماسكه الداخلي، وموقعه التفاوضي، في ظل لعبة إقليمية معقّدة؟!
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

حسين خليفة - Houssein Khalifa