Advertisement

لبنان

لبنان في مهبّ التحوّلات: سيناريوهات على حافة الانفجار!

ايناس كريمة Enass Karimeh

|
Lebanon 24
22-07-2025 | 03:00
A-
A+
Doc-P-1394892-638887707442048591.JPG
Doc-P-1394892-638887707442048591.JPG photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
زيارة الموفد الأميركي توم برّاك إلى بيروت لم تكن كسابقاتها، بل حملت في طيّاتها تصعيداً واضحاً في نبرة الرسائل، وسط لحظة سياسية حساسة يتقاطع فيها الضغط الدولي مع انسداد داخلي خانق. فخلف الأبواب المغلقة، حمل برّاك معه رسالة صارمة فحواها أن واشنطن لا تملك ما تعرضه على لبنان في مقابل تسليم "حزب الله" سلاحه، وأن على الدولة أن تقوم بما تعتبره واجبها تجاه هذا الملف، وإلا فإنها تتحمّل تبعات الإهمال الدولي وتراجع فرص الدعم العربي.
Advertisement

الطرح الذي حمله برّاك لا يعكس موقفاً أميركياً منفرداً، بل يحظى بغطاء إقليمي واسع، في ظلّ تقاطع واضح بين الضغوط الغربية وبعض الاشتراطات الخليجية. وقد بدا جلياً خلال الزيارتين للمبعوث الأميركي ونظيره السعودي الأمير يزيد بن فرحان، أن هناك تنسيقاً متقدّماً بين الطرفين في ما يتعلّق بالملف اللبناني، وتحديداً في ما يخص سلاح "حزب الله". إذ تتعامل العواصم المعنية مع المسألة باعتبارها شأناً داخلياً على اللبنانيين أن يواجهوه بأنفسهم، فيما يقتصر الحدّ الأقصى من المرونة على قبول وجود سياسي محدود "للحزب" داخل مؤسسات الدولة، شرط ألا يتحوّل ذلك إلى غطاء شرعي لتمدّده الأمني أو تعزيز موقعه العسكري.

من جهة أخرى، عكست مواقف برّاك نوعاً من الضغط غير المباشر، إذ أوحى بوضوح بأن واشنطن لا تملك القدرة على كبح إسرائيل أو ضبط ردودها العسكرية تجاه لبنان، في حال لم تُحسم مسألة سلاح "حزب الله" داخلياً. هذا التصريح، وإن ورد بلهجة ناعمة، فُهم وفق مصادر دبلوماسية مطّلعة كإشارة إلى أن أي تهدئة محتملة ليست مضمونة، وأن الحماية السياسية الدولية للبنان مشروطة بسلوك داخلي يُقنع الشركاء الدوليين بجدّية الدولة اللبنانية في معالجة ما يُعتبر الخلل الأساسي في التوازن. بالتالي، فإن التلويح بعدم القدرة على لجم التصعيد الإسرائيلي، يُقرأ على أنه تهديد مبطّن، يضع لبنان أمام معادلة واضحة: إمّا المبادرة داخلياً، أو تحمّل نتائج الانكشاف الميداني والدبلوماسي في المرحلة المقبلة.

في هذا الإطار، لا يمكن فصل الضغوط الأميركية عن التحوّلات المتسارعة التي تشهدها الساحة السورية، والتي بدأت تترك انعكاسات مباشرة على المعادلة اللبنانية. إذ تشير المصادر نفسها إلى أن صعود قيادة جديدة في دمشق بقيادة أحمد الشرع، أعاد خلط الأوراق الإقليمية، خصوصاً لجهة العلاقة مع طهران، ومستوى التفاعل مع ملف "حزب الله". فالفصل التدريجي بين القرار السوري والمظلة الإيرانية لا يغيّر فقط التوازن داخل سوريا، بل يحرّك أيضاً حسابات الداخل اللبناني. ومع تعمّق الانفتاح السوري على الخليج وتركيا، بات من المرجّح أن تستثمر قوى إقليمية هذا التحوّل لإعادة تموضع بعض القوى اللبنانية المناوئة "للحزب"، سواء ضمن البيئة السنية أو بعض الأوساط المسيحية الطامحة إلى دور سيادي أكبر.

في السياق ذاته، تلفت المصادر الدبلوماسية إلى أن الانفتاح السوري الأخير على باريس لا يندرج ضمن مبادرة فرنسية معزولة، بل يُقرأ كمحاولة فرنسية لملء فراغ التوازن في لبنان من خلال بوابة مسيحية – مارونية تتّصل بدوائر القرار في دمشق. هذا التقاطع، الذي يُبنى بهدوء بعيداً عن الضوضاء الإعلامية، يهدف إلى تشكيل رافعة سيادية جديدة داخل الدولة اللبنانية، قادرة على استعادة التوازن مع "حزب الله" من دون الاصطدام المباشر به. وتضع بعض التحليلات هذا المسار في خانة "المبادرات التعويضية" بعد فشل محاولات أوروبية سابقة في تأمين تسوية شاملة. لكنّ هذا المسار يثير في الوقت نفسه مخاوف من أن يتحوّل الحضور المسيحي في الدولة إلى ورقة ضمن لعبة إقليمية أكبر، قد تتجاوز قدرة لبنان الهشة على احتوائها أو إدارتها.

ومن جهة موازية، تلاحظ مصادر تنامي مؤشرات على محاولة إقليمية لإعادة تعويم البيئة السنية في لبنان، مدفوعة بتقاطع مصالح بين دمشق الجديدة وبعض العواصم الخليجية. إذ يُنظر إلى هذا التعويم كمحاولة لإنتاج توازن ناعم في وجه "حزب الله"، من دون الانزلاق إلى معادلة الصدام المباشر. ويُطرح في هذا السياق سيناريو دعم تنظيمات محلية ذات طابع أهلي أو مناطقي، تُقدَّم على أنها قوة رديفة لا منافسة، قادرة على ضبط الشارع السني وإعادة إدماجه في مشهد سياسي أكثر تماسكاً. إلا أن هذه الديناميكية، وفق المصادر، قد تفتح الباب أمام تنافس طائفي جديد يتغذى من هشاشة الدولة، وقد ينتهي الأمر، إذا تُرك من دون ضوابط، إلى عودة مشهد الاصطفافات الطائفية المسلّحة، الذي ساهم في تفكيك الدولة وتدمير مقومات الاستقرار في محطات سابقة من تاريخ لبنان.

وتبعاً لما تكشفه المصادر، فإن مقاربة المجتمع الدولي، وخصوصاً واشنطن وبعض العواصم الخليجية، باتت أكثر ميلاً للتعامل مع لبنان كمساحة مرشّحة لإعادة الهيكلة، لا كدولة مستقرة قابلة للاحتواء. في هذا السياق، لا تُطرح حلول متكاملة أو مبادرات إنقاذ فعلية، بل يُترك الداخل اللبناني أمام احتمالات مفتوحة، تضبطها مصالح الخارج وتُضعفها تناقضات الداخل. بالتالي، فإن طبيعة المرحلة المقبلة ستُحدَّد وفق كيفية تفاعل القوى اللبنانية مع الضغوط المتزايدة، ومدى قدرتها على إنتاج مقاربة وطنية تقي البلد من الانهيار الكامل.

في ضوء هذه التحولات المتسارعة، يبدو المشهد اللبناني مفتوحاً على أربعة سيناريوهات متداخلة، تتفاوت في احتمالاتها وخطورتها. وبحسب المصادر، فإنّ السيناريو الأول يقوم على بقاء "حزب الله" في موقعه الحالي ضمن المعادلة السياسية والأمنية، مستنداً إلى شبكة تحالفاته الداخلية. غير أن هذا الاحتمال، وفق المصادر، بات أضعف من أي وقت مضى، بفعل الضغوط الاقتصادية الهائلة، وتراجع الغطاء الإقليمي بعد تفكك المحور السوري – الإيراني.

أما السيناريو الثاني، فيتمثل في تبلور محور لبناني – سوري – فرنسي، يسعى إلى إعادة ضبط التوازن داخل الدولة. ورغم أن هذا المسار يحظى بدعم دبلوماسي هادئ، إلا أنه محفوف بمخاطر تحوُّل لبنان إلى ساحة صراع غير متكافئ بين مشروعين متناقضين، ما قد يعيد إنتاج الانقسام العمودي داخل مؤسسات الدولة.

في مقابل ذلك، لا تستبعد المصادر أن يشهد لبنان تسليحاً سنياً محدوداً، بدفع من بعض القوى الخليجية المتحالفة مع دمشق، في محاولة لإرساء شكل جديد من التوازن الخشن. غير أن هذا السيناريو، وإن بدا قابلاً للتطبيق على المدى القصير، يحمل في طياته نذر انفجار طائفي قد يطال مناطق مثل طرابلس، صيدا، أو حتى الضاحية والجنوب، إذا فشل في ضبط قواعد الاشتباك السياسي والأمني.

أما السيناريو الرابع، وهو الأكثر خطورة، فيقوم على انهيار تدريجي للمؤسسات الأمنية والعسكرية المركزية، بفعل غياب الدعم الدولي اللازم، واستنزاف الثقة الداخلية بها. ولعلّ مثل هذا الانهيار قد يُفضي إلى تقاسم مناطقي للسلطة، وفتح الباب أمام نمط من الحروب الأهلية المتنقلة، شبيهة بتجارب دول مجاورة فشلت في احتواء النزاعات ضمن إطار الدولة.

في المحصّلة، لا يبدو لبنان أمام فرصة حقيقية لتفادي الانهيار، ما لم تتم صياغة مقاربته الوطنية بوعي يتجاوز الاصطفافات التقليدية، ويأخذ في الحسبان حجم التحولات الإقليمية والدولية. فالإجماع الدولي على ضرورة معالجة ملف السلاح لم يُترجم بعد إلى مبادرة واضحة المعالم، في حين أن الداخل اللبناني ما زال عاجزاً عن إنتاج تصوّر موحّد يحمي البلد من التدحرج نحو المجهول.

وترى المصادر، أنّ المهل المعطاة للبنان بدأت تضيق فعلياً، على وقع الترقّب الإقليمي لمآلات الصيف ونتائج الحرب في غزة. حيث إن العواصم الغربية والخليجية لن تبقي على نافذة التسويات مفتوحة إلى ما لا نهاية، لا سيما مع دخول إسرائيل في مرحلة ترتيب أولوياتها الداخلية بعد الموسم السياحي، وما يرافقه من احتمالات تصعيدية قد تشمل الجبهة اللبنانية. في هذا السياق، لا يمكن مقاربة ملف السلاح إلا بوصفه معادلة مزدوجة: إذ يفترض أن يُعالج بما يحمي لبنان من الخطر الإسرائيلي، لا بما يجرّده من وسائل الردع، خصوصاً في ظل تأكيد المبعوث الأميركي أن لا ضمانات أميركية تجاه السلوك الإسرائيلي. والسؤال الجوهري الذي يُطرح هنا: ما الذي يضمن ألّا يُستغل تفكيك السلاح كنافذة لضرب لبنان، بدل أن يكون مدخلاً لتحصينه؟
 
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك
Author

ايناس كريمة Enass Karimeh

Lebanese journalist, social media activist and communication enthusiast