في الرحيل المفاجئ والصاعق للوزير عبدالله بوحبيب، لا يغيب فقط وجه ديبلوماسي مخضرم، بل ينطفئ شعاع استطاع أن يطّوع الكلمة وعرف كيف تُّتخذ القرارات في الأوقات الصعبة، على رغم أنه لم يُرضِ في خلال توليه مهام
وزارة الخارجية في حكومة
الرئيس نجيب ميقاتي في أقسى ظرف عرفه
لبنان الكثيرين من خصومه السياسيين. وبهذا الرحيل تُطوى صفحة رجل حمل لبنان في قلبه أكثر مما تبوأ مناصب ومواقع. عرفته الأروقة الدولية مُفاوضًا صلبًا، وعرفته
بيروت رجلًا هادئًا وعميقًا، عمل ببُعد رؤيوي، وكانت له تطلعات مختلفة عن تطلعات الكثيرين، الذين أرادوا تطويع العمل الديبلوماسي لمصالحهم الخاصة.
لقد كان عبدالله بوحبيب من بين قلائل لم تبهرهم الوظيفة الحكومية، ولا يطويهم غياب، إذ ترك في كل محطة من محطات حياته أثرًا، وفي كل كلمة من كلماته معنى. كان رجلًا موسوعيًا، هادئ النبرة، رصين الموقف، لا تستهويه الأضواء بقدر ما شغفته خدمة لبنان. ظلّ مؤمنًا بأن الحوار هو جسر العبور إلى الاستقرار، وبأن لبنان يحتاج إلى عقول لا إلى شعارات.
في وداع عبدالله بوحبيب، نخسر صوتًا من أصوات
الحكمة في زمن الصخب، ووجهًا من وجوه لبنان النبيلة في زمن التصدّع. لكن فكره، كما أثره، سيبقيانه حيًّا في ضمير وطن لا يزال في أمسّ الحاجة إلى رجال من طينته.
حين تسلّم عبدالله بوحبيب حقيبة الخارجية والمغتربين عام 2021، كانت البلاد على شفير انهيار سياسي واقتصادي غير مسبوق، فيما كانت العلاقات
اللبنانية الخارجية تمر في واحدة من أعقد مراحلها. لم يكن المنصب مغريًا في ظروف كهذه، لكن الرجل قَبِل التحدّي بصفته واجبًا وطنيًا، مؤمنًا بقدرة لبنان على النهوض من جديد إذا ما وُجدت إرادة وطنية جامعة.
هكذا كان عبدالله بوحبيب في وزارة الخارجية: رجل اللحظة الصعبة. رحل صامتًا، لكن بصمته ستبقى محفورة في ذاكرة العمل الديبلوماسي اللبناني الحديث.
السيرة الذاتية
الوزير الراحل من من مواليد العام 1941، من بلدة دير القمر.
نال دكتوراه في الاقتصاد من جامعة فاندربيلت في
الولايات المتحدة الأميركية
تخصّص في العلاقات الدولية والتنمية الاقتصادية.
بدأ مسيرته المهنية في البنك الدولي في
واشنطن عام 1976، حيث عمل خبيرًا اقتصاديًا ومديرًا لبرامج في
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
في العام 1983، عُيّن سفيرًا للبنان في الولايات المتحدة الأميركية، واستمر في هذا المنصب حتى عام 1990، خلال واحدة من أصعب الفترات في تاريخ لبنان الحديث.
بعد عودته إلى بيروت، أسس مركز الدراسات اللبناني – الأميركي، وأسهم في الحوار العام حول العلاقات الخارجية اللبنانية.
تولّى منصب
وزير الخارجية والمغتربين في حكومة الرئيس
نجيب ميقاتي بين عامي 2021 و2024.
كتب عدة مؤلفات، من أبرزها: "أميركا القيم والمصلحة: نصف قرن من السياسات الخارجية في الشرق الأوسط"، "الضعيف والقوي: تأملات لبنانية في زمن الانهيار"، "
النفط والغاز في لبنان: الثروة الموعودة"
درّس
في الجامعة الأميركية في بيروت مادة العلاقات الدولية والسياسات العامة.
لبنان 24" يتقدم من عائلة الوزير الراحل باحر التعازي، سائلا الله ان يتغمده بوافر رحمته.