كتب طوني عيسى في"الجمهورية": المشهد الحالي في جنوب الليطاني يبدو حافلاً بالتناقضات. فعملية نزع السلاح هناك «ماشية » ولو في بطء، ويبدي «
حزب الله » مقداراً مدروساً من التعاون مع الجيش، لعلّه يقلّص حجم الضغوط الدولية والإقليمية التي يتعرّض لها. لكنهذا المقدار من «التعاون » يضعه الإسرائيليون في دائرة الرصد الحثيث، من خلال أجهزتهم وطائراتهم ومسيّراتهم، وكذلك لجنة «الميكانيزم »، ويطالبون بتصفية أي وجود مسلح ل »الحزب » أو أي قوة أخرى غير الجيش و »اليونيفيل» هناك.
المثير هو أنّ «الحزب » يبدو راضياً بالتخلّي عن سلاحه في جنوب النهر، مادام هذا الحل يعوّضه نزع سلاحه بكامله، في
لبنان كله. ولذلك، قبل أيام، لوّح«الحزب » بوقف التعاون مع الجيش في جنوب النهر، إذا كان فعلاً يريد المسّ بالسلاح في شماله. وهذا يعني ضمناً نوعاً من المقايضة: نعطيكم ما تريدون جنوب الليطاني، مقابل أن تنسوا سلاحنا الموجود في شماله. و »إذا عدتم عدنا»، أي إننا مستعدون لتعطيل اتفاقنا جنوب النهر إذا قررتم تجاوز حدودكم فيالشمال. وهذا الرفض الصريح، الذي وصل إلى حدّ التهديد بالمواجهة المباشرة مع الجيش إذا حاول نزع السلاح بالكامل، يكشف أنّ هناك خطوطاً حمراًرسمها «الحزب ». وهو ما يضع
الحكومة اللبنانية في مأزق حقيقي.
في عبارة أخرى، الحكومة هي المتضررة من هذا الإشكال، لكن المستفيد هو
إسرائيل وحدها. فما يهمّها من الملف ليس إضعاف «حزب الله » في الجنوب فحسب، بل أيضاً تحقيق مكاسب استراتيجية طويلة الأمد. إنّها لا ترى في نزع سلاح «الحزب »، جنوب الليطاني، نهاية للمشكلة بل على الأرجح خطوة أولىى نحو تحقيق أهداف أكبر.
اليوم، ومع فكرة نشر قوات متعددة الجنسيات في المنطقة، بعد انتهاء مهمات قوات «اليونيفيل »، تتجدد المخاوف، إذ يتوازى ذلك مع فكرة «المنطقة العازلة »التي يُراد لها أن تنشأ تحت غطاء دولي، وسط شكوك في عودة الأهالي إلى قراهم المهدّمة، أو إعادة الإعمار. وهذا الواقع ستستفيد منه إسرائيل لتدعيم بضتها على المناطق الحدودية وتوسيعها إلى حدود يصعب توقعها، ولا أحد يضمن عدم ضمّها في
المستقبل، أي بعد عقود، على غرار ما فعلت في
الجولان السوري، وما تخطط لفعله في مناطق أخرى.