Advertisement

لبنان

خطاب جعجع مزدوج الوجه.. بين مواجهة "الممانعة" وتطمين الداخل

حسين خليفة - Houssein Khalifa

|
Lebanon 24
09-09-2025 | 06:00
A-
A+
Doc-P-1414524-638930109332874659.jpg
Doc-P-1414524-638930109332874659.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
في مشهد رمزي جمع السياسة بالدين والذاكرة، أطلّ رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع من معراب خلال قداس شهداء "المقاومة اللبنانية"، بخطاب أراد له أن يكون تتويجًا لمسار طويل من المواجهة مع "محور الممانعة"، ومفتتحًا لمرحلة جديدة يرفع فيها شعار "السيادة الكاملة" من دون أي التباس، على وقع الجدل المستمرّ في الداخل حول ملف حصرية السلاح، بعيد الجلسة الحكومية التي وُصِفت بالمفصليّة، وإن كرّست حالة الانقسام.
Advertisement
 
لذلك، كان من الطبيعي أن يأتي الخطاب عالي النبرة، لكنه في الوقت نفسه جاء مشبعًا برسائل تطمينية. فجعجع لم يكتفِ بتكرار شعاراته التقليدية حول "حصرية السلاح" و"الدولة القادرة"، بل ذهب أبعد من ذلك في توصيف "الممانعة" بأنها "خسرت الحرب"، وأنها تتذرّع اليوم بالتزاماتها بالاتفاقات لتبرير تراجعها. لكنه في مقابل هذه الحدة، شدّد على رفض الانزلاق إلى أي حرب أهلية، مؤكدًا أن المواجهة مع خصومه يجب أن تبقى سياسية وديمقراطية.
 
بهذا المعنى، بدا خطاب جعجع مزدوج الوجه: من جهة، هجوم سياسي مباشر على "حزب الله" ومحوره، ومن جهة ثانية، تطمين للداخل اللبناني عمومًا، وللشريحة الشيعية خصوصًا، بأن دعوته إلى حصرية السلاح لا تستهدف طائفة أو جماعة، بل تسعى إلى إعادة الاعتبار للدولة كمرجعية وحيدة، فكيف يُفهَم الخطاب بمجمله بالاستناد إلى ما تقدّم، وكيف تُقرَأ أبعاده ومضامينه، وأيّ دورٍ يسعى جعجع ليكرّس لنفسه في المرحلة المقبلة؟!
 
السيادة كعنوان للمواجهة
 
من يستمع إلى خطاب جعجع في احتفال "شهداء المقاومة اللّبنانيّة" في معراب، الذي يُنتظَر سنويًا لما يحمله من مواقف ودلالات، يدرك أنّ الرجل أراد أن يكرّس نفسه في خطابه الأخير كصوت سيادي أوّل، مستندًا إلى اللحظة السياسية الراهنة. فحين يتوجّه إلى "حزب الله" بالقول: "خسرتم الحرب"، و"لن نقبل ألّا يكون القرار لبنانيًّا مئةً بالمئة"، يبدو كمن يحاول إعادة صياغة خطاب "القوات" كمرجعية سيادية شاملة، لا محصورة بالبيئة المسيحية فحسب.
 
في الوقت نفسه، يبدو واضحًا خلف سطور الخطاب أنّ جعجع "يرغب" في تصوير نفسه كخصم مباشر للحزب ولمحور الممانعة ككلّ، حين يتهمه مثلاً بأخذ لبنان "رهينة"، بل بالإمساك برقاب اللبنانيين لسنوات طويلة، "بقوّة السّلاح والإرهاب"، على حدّ وصفه، ويذهب إلى حدّ القول إنّ سلاح "حزب الله" "غير الشّرعيّ لا يحمي الشّيعة وإنّما يحتمي بهم، ولا يؤمّن مصالحهم بل يغرقهم في مخاطر وحروبٍ وجوديّةٍ"، وفق قوله.
 
هنا يقول العارفون إنّ جعجع يهدف إلى إضعاف شرعية السلاح "المقاوم" من زاوية عملية: فالحرب لم تحقق أهدافها، وبالتالي لم يعد ثمة مبرر لاستمرار منطق "المقاومة" بمعزل عن الدولة. وهو لذلك أيضًا، لجأ إلى إبراز المؤسسات الدستورية كمرجع شرعي وحيد، وذلك للقول للبنانيين بأن الدولة هي الحل، وإلى المجتمع الدولي بأن ثمة طرفًا لبنانيًا جاهزًا لتحمّل مسؤولية تطبيق القرارات الدولية وإعادة الاعتبار للمؤسسات.
 
تطمينات للداخل
 
رغم الحدة التي اتسم بها الخطاب تجاه "حزب الله"، فإن جعجع حرص على توجيه رسائل تطمين إلى الداخل اللبناني. فقد أكد صراحة أن "لا حرب أهلية في لبنان"، واضعًا حدًا لأي مخاوف من تكرار سيناريوهات الماضي. ويقول العارفون إنّ هذا الموقف، وإن بدا بديهيًا، فإنه يُقرأ في سياق حساس، خصوصًا أن الخطاب جاء خلال مناسبة دينية–سياسية تحضرها قيادات حزبية وطائفية، ما يسهّل على خصومه توجيه اتهامات بالتحريض.
 
وفي السياق، كان لافتًا أيضًا أنّ جعجع حاول فتح نافذة حوار مع البيئة الشيعية، عبر التمييز بين "الطائفة" و"الحزب"، حتى إنّه استشهد بمرجعية الإمام عليّ، لإضفاء بعد رمزي جامع على خطابه، بما يتجاوز حدود جمهوره التقليدي. ويبرز في هذا الإطار تأكيده أن معركته ليست مع جماعة مذهبية، بل مع مشروع سياسي إقليمي يأخذ لبنان رهينة، وقد تكون الرسالة الأهم هنا، قوله إن "أكثريّة اللّبنانيّين لا ترضى أن يصيبكم ما أصابنا بعد أن سلّمنا سلاحنا".
 
ولعلّ ما يستوقف الانتباه أيضًا في خطاب جعجع، كان دعوته للشباب اللبناني، إذ قدّمهم كقوة التغيير الحقيقية، داعيًا إلى خوض المواجهة عبر صناديق الاقتراع، رافعًا شعار: "صوتكم سلاحكم". ويرى العارفون أنّ هذه المقاربة تضع الخطاب في سياق انتخابي واضح، خصوصًا أن "القوات" تسعى إلى تعزيز حضورها الشعبي والسياسي في أي استحقاق مقبل، وهي تدرك أن الرهان على الأجيال الشابة يمكن أن يشكّل عنصرًا فارقًا.
 
في المحصلة، بدا جعجع كأنه يحاول الجمع بين خطاب المواجهة السياسية وخطاب الاستقطاب الانتخابي. فبينما يهاجم الممانعة ويعتبرها خاسرة، يقدّم نفسه كبديل ديمقراطي لا يلجأ إلى العنف، بل إلى الانتخابات كأداة للتغيير. لكن تبقى علامات الاستفهام قائمة: هل يستطيع جعجع أن يحافظ على هذا التوازن بين الحدة والتطمين؟ وهل يمكن لخطابه أن يتحول إلى برنامج وطني جامع، أم أنه سيبقى جزءًا من لعبة الاصطفافات اللبنانية التقليدية؟
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

حسين خليفة - Houssein Khalifa